الأخبار

المناضل أحمد عبد الباقي الفضل أو “عندما يملأُ الحق قلبك”

264

المناضل أحمد عبد الباقي الفضل أو “عندما يملأُ الحق قلبك”

صديق عبد الهادي

(1)
رحل الأسبوع الماضي أحد القادة التاريخيين لحركة مزارعي مشروع الجزيرة والمناقل، المرحوم الشيخ أحمد عبد الباقي الفضل، تاركاً حزناً عميقاً وسط محبيه وعارفي فضله. ومخلفاً وراءه تاريخاً حافلاً بالنضال وبالإلتزام التام تجاه قضايا المزارعين، بل وموغلاً في الانحياز الصميم لهمومهم. دفع المناضل احمد عبد الباقي، عبر حياته النضالية الثرة، كامل استحقاقات مواقفه الشجاعة، ودونما تردد. وبالقطع لا يطوله في ذلك طائل منْ طال.

الراحل المقيم المناضل أحمد عبدالباقى الفضل

لم يكن الراحل احمد عبد الباقي يعرف الوقوف الوسط بين الحق والباطل، ومهما كان الثمن!، فقد كان قريناً للحق وملازماً له، وفي فعل ذلك كانت تسنده بسالة وطيدة، غير زائفة، قل بين الناس منْ توفر عليها.

(2)
كان الراحل ثاني أثنين في تاريخ الحركة الثورية السودانية، وفيما أعلم، ممنْ منَّ الله عليهم بتلك الخلة المكلفة. واولهما المرحومة المناضلة فاطمة أحمد إبراهيم، تلك المرأة “العاصفة!”

إن الذي يربط بين المرحومين فاطمة وأحمد هو الجسارة البكر التي لم تخالطها نزعات التنازل أو المهادنة، في كل الاوقات، ومهما بلغت الخطورة، وكأني بهما منْ عناهما الشاعر أمل دنقل حين قال،

"عندما يملأُ الحقُّ قلبك: تندلع النار إن تَتَنفّس ولسان الخيانة يَخْرس".

إنه، وللمصادفات التي لا تتحقق في التاريخ إلا نادراً ان منْ شاءت له الأقدار وأحاط به الحظ العاثر لأن يعبر وفي تقاطعٍ مع تينك “العاصفتين”، هو المرحوم أبو القاسم محمد إبراهيم.

فبالرغم من العقود التي إستطالتْ بين المواجهتين، في مدينة الهدي في سبعينيات القرن الماضي، وتحت قبة البرلمان في أمدرمان، في العشرية الأولى من هذا القرن، إلا أن العبارة كانت هي نفس العبارة التي نطق بها أحمد ونطقت بها فاطمة في وجه أبو القاسم: “يا قاتل”!. ولكن حينما قال بها الراحل احمد كان ابو القاسم وقتها سلطاناً جائرا ذا صولجان، بل وبالغ العتو …اوليس هو بحق فعلاً، أنه “عندما يملأ الحق قلبك، تندلع النار إن تتنفس”؟!


(3)
ينتمى الراحل وبكل ما يحمل الإنتماء من معنى لمدرسة نضالية عريقة في وسط مزراعي مشروع الجزيرة والمناقل، وهي المدرسة الوطنية الديمقراطية الثورية. فهي واحدة من مدارس النضال المتعددة في المشروع، والحق أحق بان يقال. وقد ساهمت جميعها بقدر المستطاع في الزود عن حقوق المزارعين والعاملين في المشروع، وإن تفاوت العطاء بينها.

يعتبر الراحل واحداً من مؤسسي وحدة المزارعين، وأحد أبرز النجوم السواطع في سمائها، في ايام مجدها وصعودها، اذ عمل إلى جانب ذلك النفر المتفرد من قادتها الراحلين، الشيخ الأمين محمد الأمين، الشيخ يوسف أحمد المصطفى، والشيخ عبد الله برقاوي وغيرهم من ذلك العقد النضيد الطويل، الذي يصعب كرُّ حباته.

كان الراحل قريباً من المرحوم شيخ الأمين وأثيراً له، ومعجباً بشجاعته. ذات مرة ذكرت لي الأخت الفضلى زينب الأمين بان شيخ الأمين، هو الآخر، كان يكنُّ محبة عميقة لأحمد….ولا غرو فإن ارواح “الفرسان” جندٌ مجندة!

(4)
كان الراحل من مؤسسي “تحالف المزارعين” الذي قاد حركة المزارعين في ظل أكثر النظم ديكتاتورية ودموية وعدءاً للمزارعين في تاريخ بلادنا. كان قائداً في سكرتاريته، إذ وضع عصارة خبرته وتجربته الممتدة في دفع مسيرة ذلك التحالف، الذي قاده مع رفاقه الآخرين في زمنٍ، يعلم الجميع، بأنه كان زمناً صعباً، زمناً إصطف فيه بعض ممنْ تشرئب أعناقهم ألآن إلى جانب “الظَلَمةِ” و”القَتَلةِ”، اولئك الذين كلفوا المزارعين واهل الجزيرة جملةً، رهقاً عظيم.

كانت سيرة التحالف سيرة باذخة بفضل أمثال الراحل الشيخ أحمد عبد الباقي، فلا اقل من أن يستلهم المزارعون سيرة القادة الذين رحلوا ليعيدوا للتحالف مجده وألقه المستمد من ألوان طيفه، التي كانت تمثل سداته ولحمته. إنه، لابد من تغيير العقلية التي لا تري في العمل الجماعي سوى وسيلة لعبور وقت الشدة، وحسب!

كما وأنه لابد من ترسيخ مفهوم ان العمل الجماعي لا تجنى ثماره إلا من العمل الواعي والمتواصل فيما بعد زمن الإنتصار. وتلك كانت إحدى قناعات الراحل حينما كان يرى ما صار اليه مآل الحال في المشروع وفي فترة الإنتقال!

(5)
يمثَّل الراحل مدرسة نضالية قائمة بذاتها ولوحدها، تقوم على الصرامة والجسارة، مدرسة تعتمد الوضوح في وجه المراوغة والمداورة، وقول الحق في وجه المداهنة، والمصادمة في وجه الطغيان والوعي في وجه الخرافة والتخذيل.

كان الراحل، وعن صدق، أحد الملهمين لجيلنا وللأجيال التي من بعدنا. نشهد بأنه ترك الحزب الشيوعي ومن غير رجعة ومنذ عقودٍ خلتْ، ولكنه ظل راسخ القدم في سوح الوعي والإستنارة، والمنافحة عن المظلومين.

ان إحدى القيم الثمينة التي أكدتْ عليها تجربة الراحل النضالية وكذلك تجارب مناضلين آخرين غيره كُثر، بأن السير في طرق النضال الوعرة لا يحتاج لإجازة من جهة ما أو حزبٍ ما، بل ولا من الضرورة بمكان. لأنه وبالقطع، كلٌ آتٍ الي معارج النضال وسوح الوغي فرداً، بإرادته الحرة وبقناعته.

(6)

وفي الختام، إنه وبرحيله لم نفقد مناضلاً أصيلاً وحسب، وإنما فقدنا أخاً كبيراً ورفيقاً عزيزاً، سيترك غيابه فراغاً عريضاً، يصعب سده ويشق علينا تحمله، ولكن العزاء أنه ترك سيرة نضالية ملهمة وعطرة. ومما لا شك فيه أن على طريقه ستسير أجيالٌ ستفوق سيوفها كل السيوف طولا.

صادق العزاء للسيدة الفضلى إحسان بت شيخ الأمين، كما دُرِج على مناداتها، وموصولٌ لأسرتها ولكافة أسرة آل الفضل الممتدة. وكذلك العزاء لمحبيه من الشابات والشباب من رواد ندوته الشهيرة، والذين سيفتقدونه وسيعانون ثُقل ومرارة ذلك أكثر من شخص الآخر.

إننا نتضرع للمولى عز وجل أن يحسن وفادته ويشمله بموفور رحمته وغفرانه ويسكنه مع الصديقين والشهداء. وهو على ذلك قدير.

من أبعاد برس

الراحل المقيم المناضل أحمد عبد الباقى الفضل كان علما من أعلام النضال وصحيفة (ابعاد برس) الإلكترونية إذ تنعيه إنما تنعى وطناً وتنعى تاريخا راسخا من النضالات سيظل باقيا أبد الدهر رحل المناضل أحمد عبدالباقى الفضل ولكن سيظل خالدا فى سفر التاريخ بمواقفه ونضالاته وسيظل ملهماً للشباب جيلاً بعد جيل لما سطره من سيره نضاليه مهولة ستبقى وستتوارثها الأجيال

رئيس التحرير

أكتب تعليقـكـ هنــا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد