تداعيات حرب أبريل. هل سيقود الاستقطاب القبلي إلى حرب أهلية؟

كتب – عبدالرحمن العاجب
تداعيات حرب أبريل. هل سيقود الاستقطاب القبلي إلى حرب أهلية؟!
مع إندلاع حرب أبريل المدمرة بدأت ترتفع وتيرة الاستقطاب القبلي بهدف دعم طرفي الصراع، ومعلوم للجميع إنه في دول العالم الثالث، والتي من بينها السودان، والمجتمعات التقليدية، تعتبر القبيلة من أهم الوحدات الاجتماعية وتشكل العمود الفقري للمجتمعات، وللقبيلة أربعة عناصر رئيسية هي ( عنصر سياسي، عنصر إجتماعي، عنصر اقتصادي، عنصر ثقافي) وسيكون لكل هذه العناصر تأثيره على الصراع والاستقطاب الحالي.
وبالنظر للبعد التاريخي فإننا نجد اعطاء الإدارة الاستعمارية البريطانية الصلاحيات الواسعة للإدارات الأهلية باعتبارها المركز الرئيسي لتطبيق السياسة الاستعمارية أدى إلى خلق صراع بين عشائر القبيلة الواحدة بسبب الاستخدام الفردي للأراضي، كما أدى إلى صراعات بين قبائل الرعاة والمزارعين حول ندرة الموارد لعبت سياسة توزيع الوحدات الإدارية دور كبير فيها حيث تم فرض حدود بين القبائل، وخلق هذا الواقع انقسام إجتماعي لازال موجودا.
والقبيلة كمعطى سياسي واقتصادي تظهر في أطروحة (محمود ممداني) الذي يفترض أن تسيس القبيلة من أرث الاستعمار الذي استخدم التقسيم القبلي كأداة لتسهيل حكمة حيث وضع الامتيازات السياسية عند قبائل وهمش قبائل أخرى، ورسم سياسيات واضحة لجعل التمثيل السياسي والامتيازات الاقتصادية مرتبط بالولاء القبلي للمجموعة التي ربط الاستعمار تأسيس الدولة بها، مما أدى إلى استحداث الهوية السياسية على أساس قبلي، وساهمت تلك السياسة في اعطاء زعماء القبائل دور أكبر في العملية السياسية في البلاد بجانب البيروقراطيين.
وهناك ضرورة للتعامل الواقعي مع المعطى القبلي في السودان، وبالتأكيد فإن هذه الإشارة لا علاقة لها بأي فهم ساذج يرى فيها دعوة لاعلاء شأن النعرة القبلية، فقطعا لانريد التأطير للقبيلة وإعطائها مشروعية القبول والسيطرة، وندرك تماماً أن مفهوم القبيلة بالضرورة يتناقض مع مشروع بناء الدولة الحديثة التي تقوم على رفض الإنتماء والانحياز إلا لما هو إنساني، وهذا ما يجب أن يفهمه قادة الأحزاب السياسية وحركات الكفاح المسلح وجنرالات القوات المسلحة وقوات الدعم السريع ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة والنشطة.
وفي عهد نظام الإنقاذ المدحور أصبحت القبيلة مؤثرة وبقوة في المشهد السياسي والاجتماعي في بلادنا، وذلك بسبب السياسات والممارسات الكارثية لنظام الإنقاذ البائد الذي ظل ممسك بتلابيب البلاد لثلاثة عقود متتالية صار الأمر فيها أكثر حدة وخطورة في ظل ما أفرزته هذه السياسات والممارسات من تصعيد لنزعة العصبية القبلية وهذا بسبب انهاك مؤسسات المجتمع المدني بما في ذلك الأحزاب السياسية حتى فقد المواطن الثقة في هذه المؤسسات فتراجع إلى رحاب القبيلة والعشيرة بحثاً عن الحماية والأمن والأمان.
وعلى كل الفاعلين السياسيين ان يفهموا جيداً إن إعادة بناء الدولة السودانية يتم بمشاركة كافة مكوناتها السياسية والاجتماعية والثقافية والقبلية والاثنية، وليس باحزاب سياسية أو حركات مسلحة أو جنرالات تبنوا شعارات وقيم سامية مثل الديمقراطية والسودان الجديد والعدالة الاجتماعية والمساواة وهي في غالبيتها شعارات ظلت تكررها تلك القوى السياسية والجنرالات حتى فقدت محتواها وأصبحت غير مجدية.
ويبدو واضحا من خلال الواقع الذي تعيشه بلادنا حالياً إن مفهوم القومية في السودان من المفاهيم التي يسعى أغلبية الفاعلين السياسيين التأسيس له كإطار للخلاص من إشكاليات البناء المجتمعي، وخلق وحدة جامعة للقبائل والإثنيات في السودان، من خلال القومية التي هي في الأساس حركة أيدولوجية تهدف إلى الوصول إلى الاستقلال والوحدة والهوية والحفاظ عليها لمصلحة شعب يعتقد بعض أبنائه أنهم يشكلون أمة.
واقع الانقسام الاجتماعي، وتمزق جسد المجتمعات السودانية الذي تشهده البلاد الان، يحتم ويفرض على قيادات الأحزاب السياسية وحركات التحرر الوطني المدنية والعسكرية، ومنظمات المجتمع المدني تقديم أطروحات نظرية لتجاوز معضلة الانقسام الاجتماعي من أجل بناء السودان الجديد الموحد، وخلق إطار جامع للقبائل والإثنيات، يتجاوز الانتماء البسيط إلى الانتماء المركب الذي يقود بدوره إلى تأسيس دولة قومية حقيقية.
ولتجاوز تداعيات حرب أبريل المدمرة، وحتى لايقود الاستقطاب القبلي الحاد الذي تشهده البلاد حالياً إلى حرب أهلية، على جميع الأحزاب والفاعلين السياسيين ومنظمات المجتمع المدني والجنرالات أن يعملوا بشكل جاد وفعلي وسط المجتمعات السودانية من أجل تجاوز الانتماء البسيط إلى الإنتماء المركب الذي يقود بدوره إلى دولة السودان الجديد القومية، التي تعبر عن الجميع وتحقق قيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وكل ما هو إنساني، إذا ظل الجميع يعملوا بشكل جاد وعملي من أجل تحقيق تلك الأهداف والقيم السامية فحتما أن حرب أبريل الحالية لن تقود إلى حرب أهلية كما ظل يعتقد ويراهن البعض.