لماذا تصرّ أمريكا على إنجاز مفاوضات جنيف رغم إمعان الجيش السوداني في الغياب؟!

49

أحمد الخطيب | بي بي سي عربي

وصلت الأوضاع في السودان إلى “مرحلة حرجة”، وفقا لتعبير المدير الإقليمي للمنظمة الدولية للهجرة عثمان البلبيسي، بعد مرور 16 شهرا على اشتعال الحرب الأهلية في البلاد.

في هذه الحرب، بين قوات الجيش النظامي من جهة وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، سقط نحو 14 ألف قتيل، طبقا لتقديرات الأمم المتحدة، فيما ترفع منظمة أطباء بلا حدود العدد إلى نحو 40 ألفا على الأقل.


تيسير وصول المساعدات أو بشأن المستقبل السياسي، ثم التلويح بهذا الزخم كتهديد للبرهان على رأس الجيش النظامي بما معناه: إذا لم تنضمّ إلى المفاوضات فسوف تفوتك ومن ثم لن تستطيع المشاركة في اتخاذ قرارات متعلقة بمستقبلك وبمصالحك.

وقالت الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية إن إقليم دارفور غربي البلاد شهد وقوع جرائم حرب. ورأى الباحث أن الاستراتيجية الأمريكية تحذّر الجيش النظامي السوداني بأن قطار المفاوضات قد يفوته إذا هو تأخّر، بينما في حقيقة الأمر يعتبر هذا “الجيش هو القاطرة التي تجُرّ ذلك القطار” على حد تعبيره. بالرغبة في استمرار معاناة البلاد.

وشرّدت الحرب أكثر من 10.7 مليون سوداني – نحو خُمس سكان البلاد- في أسوأ أزمة لاجئين على مستوى العالم، فيما تركت نحو نصف السودانيين في مواجهة مع شبح المجاعة.

أما المبعوث الأمريكي الخاص للسودان توم بيرييلو، فاتهم بدوره طرفَي الصراع في البلاد بالـ “جُبن والافتقار للشجاعة والشرف” بسبب استمرارهما في “استخدام التجويع كسلاح”.


مصلحة استراتيجية


ويعزي ميرغني إصرار الولايات المتحدة على عقد مفاوضات جنيف، إلى أن هناك مصلحة “استراتيجية” أمريكية في إنهاء الحرب الأهلية السودانية.

ويحذر مراقبون من مغبة عدم تدخل الولايات المتحدة بشكل أقوى في السودان. ويشير بنيامين موسبرغ، نائب مدير مركز أفريقيا بمؤسسة المجلس الأطلنطي البحثية في واشنطن، إلى أن خصوم أمريكا الجيوسياسيين سيتابعون استغلال الخواء الأمني في السودان لصالح مكاسبهم الخاصة، وستتحمل المنطقة تبعات ذلك.

ويتابع ميرغني: “البحر الأحمر أحد أهم معابر التجارة الدولية في العالم، وهو منذ بداية الحرب في غزة قبل نحو عشرة أشهر يعاني أزمة قبالة الساحل اليمني، فإذا أضيف إليها 800 كيلو متر في السودان، فستصبح هناك كارثة دولية، ومن هنا يأتي تصميم الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على إنهاء هذه الحرب السودانية”.

ورأى ميرغني في هذا الاتهام من جانب قوات الدعم السريع “ضرباً من الكوميديا” لأنها بذلك كأنما تقول “ما لم يأت الجيش السوداني فإننا سنواصل القيام بالاعتداءات والانتهاكات وبذلك تستمر معاناة السودان”!

ويوضح ميرغني لبي بي سي: “على الصعيد الاستراتيجي، إذا سقط السودان تماما وانهارت الدولة، فإن المجتمعَين الإقليمي والدولي سيدفعان ثمنا باهظا، لأن السودان يحتل مركزا جيوستراتيجي قويا جدا في القارة الأفريقية وهو قادر على خلخلة كل الأنظمة المحيطة به، فضلا عن أهمية ساحل السودان على البحر الأحمر والذي يمتد لنحو 800 كيلومتر”.

وإذا لم يستجب الجيش السوداني بشكل نهائي لنداء المفاوضات في جنيف، فربما تُقدم الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على التدخل في السودان بأهداف إنسانية في البداية قبل أن تتحول بصورة ما إلى شكل من أشكال التدخل السياسي، ثم لا يستبعد أن ينتهي ذلك إلى تدخّل عسكري وإنْ كان محدودا، بحسب ميرغني.


أهمية جيوستراتيجية


وتتطلع أنظار روسيا وإيران، على سبيل المثال لا الحصر، إلى السودان، حيث عرضت كلتا الدولتين دعما عسكريا للقوات المسلحة السودانية طمعاً في تدشين قاعدة عسكرية على ساحل البحر الأحمر في السودان، بحسب ليام كار زميل المعهد الأمريكي لأبحاث السياسة العامة.

وأشار كار إلى أن “إيران عرضت على القوات المسلحة السودانية طائرات مسيّرة، بينما عرضت روسيا تقديم دعم عسكري نوعي غير محدود”.

ويحتل السودان موقعا ذا أهمية جيوستراتيجية كونه يعدّ نقطة التقاء بين العالمين العربي والأفريقي.

وترى كومفورت إيرو أن “السودان غارق في خضم صراع سياسي كبير، ما يترك الحرب الأهلية السودانية مرشحة للاستمرار على مدى شهور وربما سنوات، وأسوأ ما هنالك أن هذه الحرب قد لا تكون الأخيرة من نوعها في السودان”.

وعادة يكون من الصعب إنهاء الصراعات التي تشهد حروبا بالوكالة، لا سيما تلك التي يكون داعمو أطرافها المتحاربة هم شبكة تحالفات متداخلة متوسطة القوى، بحسب كومفورت إيرو، رئيسة مجموعة الأزمات الدولية.

وطالما استمر الداعمون من الخارج في تزويد طرفي السودان المتحاربين في الداخل بالسلاح، تبقى البلاد مرشحة للدوران في حلقة مفرغة من العنف.

وتتلقى قوات الجيش السوداني دعما خارجيا من عدد من الدول العربية والأجنبية، فيما تتلقى قوات الدعم السريع دعما من الإمارات وإثيوبيا وغيرهما

أكتب تعليقـكـ هنــا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد