لماذا “جنيف” بدلاً عن “جدة” ؟!!
مناظير

د.زهير السراج
لماذا جنيف بدلا عن جدة ؟!
تتجه الأنظار إلى مدينة (جنيف) السويسرية التي تعلقت بها قلوب كل السودانيين تفاؤلا بانعقاد المفاوضات بين الجيش وقوات الدعم السريع في الرابع عشر من هذا الشهر (أغسطس، 2024) بدعوة من الإدارة الأمريكية التي أظهرت اهتماما كبيرا في الآونة الأخيرة بالازمة السودانية، واجتهد وزير خارجيتها (انتوني بلينكن) والمبعوث اأمريكي إلى السودان (توم بيرييلو) ومندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن (ليندا توماس غرينفيلد)، بالاضافة إلى عدد من المُشرِّعين في الكونجرس الأمريكي وعلى رأسهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور (بن كاردين)، للضغط من أجل حل الازمة السودانية!
ويعود الفضل في استجابة الادارة الأمريكية والرئيس (جو بايدن) بتعيين مبعوث خاص للسودان للسيناتور (كاردين) بعد ان دعا إلى أكثر من مرة، وظل ينتقد اداء الادارة الامريكية تجاه الازمة السودانية ويصفه بالضعف وعدم المبالاة، ويطالب بحماية المدنيين ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب، فضلا عن إشادته المستمرة بالشباب السوداني وحثه على عدم فقدان الأمل
ولقد ذكر كاردين في احدى مخاطباته أمام مجلس الشيوخ بأن الشعب السوداني يستحق حياة افضل، قائلا انه “عندما خرج إلى الشوارع للمطالبة بالتغيير بعد عقود من الحرب، صعدت امرأة شابة “سيدة الحرية” على سطح سيارة، استولى المتظاهرون عليها للحظات، وبينما كانت ترفع إصبعها في الهواء، قرأت قصيدة اصبحت إحدى شعارات الثورة السودانية فيما بعد: “الرصاص لا يقتل، صمت الناس هو الذي يقتل” ـ الطلقة ما بتكتل بيكتل سكات الزول ــ وردد كاردين أكثر من مرة “الصمت هو الذي يقتل”، مطالبا الادارة الامريكية بعدم الصمت تجاه ما يحدث في السودان والضغط من أجل إنهاء الصراع.
بعد تعيين توم بيرييلو مبعوثا للسودان، خاطب السيناتور (كاردين) مجلس الشيوخ واقترح خطة من اربع نقاط لحل الازمة السودانية، الأولى: إنشاء منتدى دبلوماسي موحد للتفاوض على وقف إطلاق النار يضم شركاءً من أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا إلى جانب شركاء من المنظمات المتعددة الأطراف، الثانية: الضغط لجمع الاطراف على طاولة المفاوضات، الثالثة: تحفيز الاستجابة الانسانية وحشد الدعم والتمويل الدوليين، والرابعة: معالجة الافلات من العقاب مرة واحدة وللابد. (إنتهى)
- 6 نصائح لكِ لتحضير مستلزمات الام والطفل الضرورية
- لجنة أممية تحقق من صلات إماراتية بأسلحة في السودان
- تضارب التصريحات بين بنك الخرطوم وشركة «EBS» بشأن سحب أموال من العملاء
- البرهان: حربنا ضد “ميليشيا” الدعم السريع وليست ضد أي جنس أو قبيلة .. ولا يوجد من يُملي علينا من الإسلاميين
- قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!
لا شك أن المراقب للأحداث لم يفت عليه أن هذه هي الخطة التي اعتمدها وعمل بها (توم بيرييلو) منذ تعيينه، حيث قام بالعديد من الزيارات واللقاءات مع الجهات ذات الصلة بشأن توحيد العمل الدبلوماسي، والتنسيق مع الدول المانحة والوكالات العاملة في المجال الانساني خاصة (الوكالة الامريكية للتنمية) لرفع مساهماتها
وها نحن الآن نخطو نحو المفاوضات لو سارت الامور على ما يرام، ولقد حددت الولايات المتحدة بندين للتفاوض هما وقف اطلاق النار وحماية المدنيين الذي يتضمن إيجاد آلية فعالة لتوزيع المساعدات الإنسانية.
دعونا اليوم وقبل الدخول في تفاصيل المفاوضات، نحاول الإجابة على سؤال مهم جدا لم يتطرق إليه البعض يعطي بعض المؤشرات حول أهمية وطبيعة هذه المفاوضات، وهو: لماذا إختيرت مدينة (جنيف) بسويسرا بواسطة الولايات المتحدة مكانا للمفاوضات بدلا عن مدينة (جدة) بالمملكة العربية السعودية رغم أن الثانية هى التي احتضنت أولى المفاوضات بين الطرفين تحت اشراف الولايات المتحدة الامريكية والمملكة العربية السعودية؟!
خمسة أسباب في رأيي لهذا الإختيار:
أولا، جنيف هى المدينة التي إختارها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة (رمطان العامرة) مكاناً للمفاوضات بين الجيش والدعم السريع في الفترة بين (11 – 18 يوليو السابق) باعتبارها مقرا للأمم المتحدة، وباختيار الولايات المتحدة لها مقرا للمفاوضات القادمة بين الطرفين فيه إشارة واضحة بأن المفاوضات لن تكون بمعزل عن الأمم المتحدة والدول المنضوية لها مما يعطيها بُعدا دوليا، ويضعها تحت رقابة دولية الامر الذي يجعل الطرفين أكثر حرصا وجدية على التعامل معها.
ثانيا، جنيف هى المركز الرئيسي لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وبما أن المفاوضات ستتضمن حماية المدنيين وتمكين وصول المساعدات الانسانية وهما أمران يتعلقان بحقوق الإنسان، فإن اختيار جنيف للمفاوضات سيضعها تحت رقابة مباشرة لمجلس الامم المتحدة المناط به مراقبة وحماية حقوق الانسان في العالم بما يضع نوعا من الضغط على الطرفين ويجعلهما اكثر مرونة في الاستجابة لموضوع توصيل المساعدات الانسانية خاصة مع التقارير الدولية الاخيرة التي تتحدث عن تفشي المجاعة والامراض في السودان والادانة لطرفى الحرب باعاقة ومنع توصيل المساعدات.
ثالثا، بُعد جنيف عن الازدحام ومراكز الإعلام خاصة العربية يجعلها انسب لقيام المفاوضات من مدينة جدة المزدحمة والمكتظة باجهزة الاعلام والتي يمكن ان تؤثر سلبا على مسار المفاوضات.
رابعا، تعتبر جنيف منطقة محايدة للجميع المسهلون للمفاوضات (الولايات المتحدة والسعودية) والمراقبون (الإتحاد الافريقي، الإيقاد ودولتا مصر والأمارات العربية)، الذين قد لا تتيح لهم مدينة جده (خاصة الامارات ومصر) المناخ المناسب لممارسة عملهما الرقابي بعيدا عن التأثير الذي يمكن أن يتعرضا له في مدينة جده أو أى مكان آخر، مما يؤثر على نجاح او سير المفاوضات.
السبب الخامس والمهم جدا في رأيي لنقل المفاوضات من جده الى جنيف، هو الفصل بين الإثنتين ــ رغم تصريحات وزير الخارجية الامريكي توني بلينكن بأن مفاوضات جنيف ستكون إمتدادا لمفاوضات جده ــ والهدف الرئيسي من الفصل هو ألا تكون بنود مفاوضات جده ( خاصة بند اخلاء منازل المواطنين التي ظل الجيش يتمسك بها كشرط اساسي لاستئناف المفاوضات مع الدعم السريع) عقبة أمام المفاوضات الجديدة باعتبارها ستنحصر في بندين فقط هما وقف اطلاق النار وتوصيل المعونات الانسانية للمواطنين عبر آليات يتفق عليها!
لا شك أن اختيار جنيف وتحديد أجندة التفاوض في بندين فقط كان موفقا للغاية، وفيه الكثير من الذكاء، ولن يكون هنالك خيار أمام الطرفين سوى المشاركة خاصة مع الضغوط الشديدة التي مارسها وزير الخارجية الامريكي بشكل مباشر أو عبر حلفاء أمريكا في المنطقة خاصة مصر والسعودية والإمارات.
- 6 نصائح لكِ لتحضير مستلزمات الام والطفل الضرورية
- لجنة أممية تحقق من صلات إماراتية بأسلحة في السودان
- تضارب التصريحات بين بنك الخرطوم وشركة «EBS» بشأن سحب أموال من العملاء
- البرهان: حربنا ضد “ميليشيا” الدعم السريع وليست ضد أي جنس أو قبيلة .. ولا يوجد من يُملي علينا من الإسلاميين
- قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!