“مِائةَ يَومٍ” ربما تَضعُ نُقطةً لِسطرٍ جَديدْ
عين علي الحرب

الجميل الفاضل
“مِائةَ يَومٍ” ربما تَضعُ نُقطةً لِسطرٍ جَديدْ
دستة أيام ودستة شھور، لو أننا جمعنا حاصلھا، قفز أمامنا مباشرة الرقم “24”، الذي ھو نفس رقم العام الجاري بين أعوام ھذه الألفية.
إنه يومٌ ربما صار يوما يَضعُ نُقطةَ نھاية، تَفتحُ المَجالَ ھنا لسطرٍ جديد.
يوم ھو لما يأت بعد، لا يفصلنا عنه أكثر من مائة يوم فقط.
ھو يَومٌ في مِثلهِ قبل نحو “24” عاما، فقد “الأخوان المسلمين” بالسودان، ما يقارب “50%” من قوتھم، بفقدانھم لعقلھم المدبر “حسن الترابي” الذي أقصاه تلامذته عن السلطة التي عمل لھا بجد واخلاص منذ مصالحته مع النميري في العام (77)، ثم ھيأھا لھم لقمة سائغة علي طبق من ذھب، وفق خطة سرية أقر بھا لموثق قناة الجزيرة أحمد منصور في شھادته علي العصر
خطة أنتجھا ھو يقول عنھا: “اعددت مذكرة سرية في العام (75) للوصول الي السلطة، قدرت فيھا نحو عشرة الي عشرين سنة لبلوغ ما حدث في يونيو (89)”.
لكن الترابي قبل أن يتوفاه الأجل المحتوم اعترف بأن حركته التي أنفق جل عمره في بنائھا، قد أضحت كلھا الآن بائسة، مشيرا الي أنه عندما دانت السلطة للإسلاميين تسلطوا علي بعضھم البعض، ليضيف: “عندما دخلنا الي السلطة ما كنت أظن أن فتنة السلطة تبلغ بالمرء الذي درب وزكي عشرات السنين، أن يفسد لكنھم فسدوا في الأرض، وكنت أظنھم صحابة”.
وھو قول قال بمثله الدكتور محمد مختار الشنقيطي أستاذ الشئون الدولية بجامعة قطر بقوله: “الترابي ومريدوه استعجلوا الثمرة، فاقتطفوها مريرة المذاق، وأساءوا التصرف في المسؤولية التي تحمَّلوها افتئاتا على شعبهم، وهدموا تراث نصف قرن من تاريخ حركتهم، كان مفعما بالعمل الإستراتيجي والسياسي المبدع.
لقد انتهت تلك الفجوة بين الزاد النظري والممارسة العملية في حياة الترابي وفي مشروعه السياسي إلى مشهد حزين”.
ومضي الشنقيطي الي القول: “ثم استحالت الحركة الإسلامية إلى أداة قمع في يد سلطة عسكرية مستبدة، لا رؤية لها وراء البقاء في السلطة والتشبث بالكرسي، فانتحر المشروع الإسلامي على أعتاب الحكم العسكري.
ثم انشق صف الحركة، وأنفصل رأسها عن جسدها، ففقدت الحركة -بفقدان الترابي- عقلا متألقا، ومخططا إستراتيجيا لا يُشق له غبار، وتحولت إلى فلسفة الحكم من أجل الحكم دون رؤية أخلاقية أو مشروع فكري”.
انفصال رأس الحركة عن جسدھا وفقدانھا لعقلھا المتألق، إعتبره الشنقيطي ضربا من “انتقام المباديء” لنفسھا.
تأمل كيف يصور د. منصور خالد حال البلاد التي مضت الي نقيض المباديء، بعد انفاذ الترابي لخطته السرية بقوله:
“في سودان الترابي الوحداني، كان مصير كل من تحدى النظام الالهي الجديد الاعدام من دون ابطاء، او السجن من دون تريث، او التعذيب بلا رحمة”.
وبالتالي أتصور أن “انتقام المباديء” لنفسھا من ھذه الحركة، وشيخھا، لم يتوقف الي يومنا ھذا، بل أن ھذه الحرب التي اندلعت بين جناحين خرجا من رحم ذات الحركة بصورة أو بأخري، ھي التي ستكتب في ظني الفصل الأخير من انتقام المباديء ضد من خانوھا بانقلابھم ضد حكومة منتخبة في الثلاثين من يونيو سنة (1989).
جزاء وفاقا، سيقضي علي مائة بالمائة من قوة ھذه الحركة، التي ربما استشعر قبل أكثر من عام تقريبا، علي عثمان محمد طه، مخاطر ھذه الحرب علي قوتھا، فاصدر فتواه الموسومة “بفقه ادخار القوة” تحسبا لما يمكن أن يؤول اليه مصيرھا لو أن نزيفھا البشري المتنامي بالحرب أو بغيرھا، قد تفاقم.
لكن ھيھات، فانھا في تقديري ھي الحرب التي “سوف تنتھي بينھم”، علي قول الاستاذ محمود محمد طه، بل وبينھم فقط، رغم سعيھم المحموم الي الآن لتوسيع نطاقھا، لكي تصبح حربا أھلية شاملة لا تبقي ولا تذر.
إذ أنھا حرب كما أعتقد، ستظل رغم أنف الرعاة الدوليين، والسعاة المحليين، ھي الحرب التي ستمھد لإستئصال شأفة ھذه الفئة الظالمة، ولإقتلاعھا من أرض السودان اقتلاعا، بلا زيادة ودون نقصان، وھو مصير قد بات وشيكا وقد أقترب.
فقد قال من لا ينطقُ عن ھوي: «إن الله ليملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته».
ثم قرأ عليه الصلاة والسلام قوله تعالى: “وكذلك أخذُ ربِك إذا أخذ القُرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد”.
إذاً ھي حرب “الأخذ” التي لن يفلت من براثنھا ظالم، وإن سعي لإدخار نفس أو مال أو قوة كما يتوھم أو يظن.
وفي صورة مغايرة بدا لي أيضا أن تاريخ فصال قوة الحركة الأول في “الثاني عشر من ديسمبر” من العام (99)، والذي خصم علي أقل تقدير نصف ما تملك من قوة.
بدا وكأنه قد ارتبط ھذا التاريخ علي أية حال بحدث إيجابي آخر مھم، أتي من باب الإضافة للبلاد، لا من باب الخصم من قوة أعدائها، الذين فرضوا عليھا عزلة عن العالم، وحشروا شعبھا برمته في قفص حديدي أضيق من خرم إبرة.
إذ في ھذا التاريخ نفسه من العام “عشرين، عشرين”، اضحي السودان بفضل جھود الحكومة الانتقالية، خارج “قائمة الدول الراعية للارھاب”، قفص “اللائحة الأمريكية السوداء” التي جثمت بظلھا الثقيل علي صدر الشعب السوداني لأكثر من (27) عاما.