الأغنية السودانية مرآة الوطن وصوت الهوية (1)
عزة في هواك نحن الجبال أغنية عاطفية !!
الطمبور في المنحوتات الأثرية لممالك النوبة وسرور حرم الغناء علي نفسه بسبب عائشة الفلاتية !!
إضراب الطمبارة أدخل (الشيالين) والأغنية السودانية مرآة الوطن وصوت الهوية
رصد: الهادي بشري
أبحر منتدي النيلين في دورته الخامسة عشر داخل تاريخ الأغنية السودانية بإعتبارها مرآة للوطن وصوت للهوية وقد درج المنتدي الراتب علي إثارة القضايا الأجتماعية ذات الطابع الثقافي مستفيداََ من خبرات أعضاء المنتدي علي رأسهم البروفسير الإعلامي عوض إبراهيم عوض الذي أوضح أن الأغنية السودانية متفردة لأنها تختلف عن كل المحيط بالدولة السودانية بمعني أنها ليست إفريقية وليست عربية، كما أن الإنجليز إستعمرو السودان لفترة طويلة ولم يؤثر ذلك علي الأغنية وهويتها. وبعد إستعمار الأتراك ظلت متفردة تراثاََ وقيمة. وهذا ماجعل مهمة إيجاد تاريخ معين للأغنية السودانية امراََ صعباََ.
وأضاف عوض أن إمام علي الشيخ في مصر كان موضوعة الأغنية السودانية من إسماعيل سيد الربابة الي إسماعيل حسب الدائم.

وقدم في رحلته العديد من المحاضرات ولسؤ حظي لم أتمكن من حضور أي محاضرة في تلك الفترة مع أنني كنت شغوف جداََ بما يقدمه
وقال بروف عوض أن هنالك كثير من المهتمين لهم أبحاث ودراسات في الأغنية السودانية مثال الدكتور عبد القادر سالم – الماحي سليمان – أنس العاقب ولكن كلهم لم يستطيعو أن يحددو من هو أول من أدخل الغناء في السودان
وأكد عوض ان الأغنية السودانية وجدت في الآثار التاريخية للعصور القديمة لممالك النوبة عند ترهاقا وبعانخي وعهد الكنداكات ولكن لم يؤرخ لها في تلك الحقبة. وكذلك الطمبور كان حاضراََ منذ القدم مما يؤكد انه سبق العود الذي دخل السودان مع الهجرات العربية.
بنونة بت المك نمر
أضاف بروفسير عوض ضمن سرده الشيق عن الأغنية السودانية أن شمال السودان سبق في دخول أغلب الحضارات باعتباره مدخل البلاد لذلك تجد إنسان الشمال طروب وميال للفنون والغناء والأدب، وأشار الدكتور أن الأغنية حملت الوطن في حدقات العيون عبر أغاني الحماسة والفروسية والشجاعة التي عرف بها الرجل السوداني.
ومن أشهر مغنيات الحماسة بنونة بت المك نمر التي كان لديها شقيق شجاع فارس قوي جداََ، ورغم أنه مات على فراشه إلا أن مرثياتها خلدت بطولاته وغيرت في خارطة الغناء الحماسي في السودان. ومن أشهر قصائدها (طبل العز ضرب). و(أسد بيشة) الأغنية التي شبهت فيها أخوها بأسد مدينة بيشة في المملكة العربية السعودية لأنها كانت منطقة مشهورة بالأسود حتى انها تتمشى فيها مثل القطط من كثرتها.
بكاء وزغاريد
الجنزير في النجوم زي الشولق الملضوم أغنية تضاربت فيها الأقوال واختلفت حول الشخص الذي كتبت من أجله حيث نسبها بعضهم إلي عثمان دقنة الذي قتل في توشكا ودفن في شرق السودان وآخرين قالو أنها نظمت في عبد الرحمن ود النجومي الذي قتل أيضاََ في توشكا.
ولكن الأصل أنها كتبت في فارس قرية أم مقد التي جاءها رجال الخليفة عبدالله محمد تورشين التعايشي لجمع الضرائب فامتنع الناس عن سدادها وتصدي لهم رجل شجاع اسمه عبدالرحمن ود موسي وقاتل رجال الخليفة جميعهم رغم عددهم الكبير وعندما شاهد المسؤول عنهم شجاعته وبسالته استحرم أن يموت كأي رجل عادي، لذلك أمر بسجنه حي وربطة بالجنازير وعندها تكالب عليه رجال الخليفة وأمسكوه وربطوه بالجنازير
فبكت جميع النساء علي هذا المشهد الحزين وزغردت أخته (النور بت موسي) التي نظمت القصيدة جنزير في النجوم زي الشولق الملضوم وهي أيضا شقيقة زينب بت موسي التي أنشدت (بجر القول والشكر للباسل بابكر).
وأضاف بروف عوض أن هنالك عدد من الأغنيات لم تنسب إلي شاعر معين (ياساعي البريد _ عيال اب جويلي) وكذلك الحال مع كثير من الألحان التي اختلف المهتمين حول ملكيتها.
المديح بفرقعة الأصابع
رغم أن الغناء كان المتنفس الوحيد للسودانيين لفترة طويلة إلا أنه حرم طوال فترة المهدية التي منعت في عهدها موروثات كثيرة.. (السكر- الصعود …الخ) وسمحت بالمديح في أواخر أيامها و لكن بدون موسيقى فكانت فرقعة الأصابع والعصي هي ميزان اللحن. وقد حاول المقربين من التعايشي تحليل الغناء بعدة طرق وأسانيد من السنة والأثر النبوي تم رفضها جميعا
واكد أن سكان كبوشية لم يتوقف الغناء عندهم مطلقاََ حتي في فترة المهدية حيث برز منهم محمد ود الفكي الذي جاء إلى الخرطوم للغناء. وقال بعد المهدية تغنى السودانيين كما لم يتغنوا من قبل حيث ظهر (الطمبارة) وهم عبارة عن مجموعة من الناس تقوم بالطمبرة خلف الفنان والطمبرة هي ترانيم مع كتم النفس أي باستخدام الحناجر فقط
وقال ان إبراهيم العبادي الذي وصف بانه أب الغناء الحديث أثناء سيره في أحد شوارع أمدرمان سمع طفل يتغني وهو يرعى الغنم فأعجب بصوته الرخيم ليهدينا لاحقا صوت من أجمل الأصوات وهو الفنان (سرور) كما أهداه بعض الأغاني الخاصة التي حفظهم وتغني بهم لاحقا
وقال أنه في يوم من الايام أضرب الطمبارة عن الغناء مما دفع سرور للإستعانة بالحضور وطلب من بعض الأشخاص للترديد خلفة كانو نواة للشيالين مستقبلا. ولقد استمرو علي هذا النحو حتي جاء كرومة وعمر البنا والجاغريو.
ياأم ضفاير قودي الرسن
عبيد عبد النور وهو صحفي يكتب في جريدة حضارة السودان التي أسسها السادة الثلاث (السيد الشريف الهندي، والسيد الميرغني، والسيد المهدي) لقناعتهم بأهمية الإعلام ودوره في التأثير على المجتمع. وكان عبيد مسرحي وفنان وشاعر وهو الذي نظم قصيدة يا أم ضفاير قودي الرسن واهتفي يحيى الوطن.
وهي كلمات أزعجت الإنجليز في تلك الفترة لذلك سجنوه ومنعوه من كتابة الشعر الذي يحث علي التحريض والإستقلال .
وعندما ظهرت أغنية (مرفعيين ضبلان وهازل شق بطن الأسد المنازل نبقى إلفة كفانا المهازل ونبقي درقة لوطني العزيز) …الخ نسبها الأغلبية إلي يوسف مصطفي التني الشاعر المعروف.
لكن لاحقاََ تبين أنها كلمات عبيد عبد النور الذي فضل أن تنسب للتني حتي لا يسجن مرة أخرى. وواصل بروف عوض سرده الشيق عن الاغنية قائلا ان خليل فرح الذي جاء من أقصى الشمال وكتب ياعزة كفاك نومك وكفانا دلال يومك انتي يا الكبرتوك البنات فاتوك. وكتب أيضاََ عزة في هواك نحن الجبال الاغنية التي تعبر عن النضال والوطنية في تلك الفترة.
ولكن الصدمة أنه اكتشف أن عزة هي اسم بنت في أمدرمان كان يعشقها خليل فرح الذي عرف عنه عدم قدرته في إيصال أشعاره للناس لذلك كان يقرأ له حدباي احمد عبد المطلب وهو شاعر أيضاََ،، ومن أشعاره (البي صباها اسمعو قولي بحكي نباها يا ناس …الخ)
وقال في إحدى زيارات حدباي لجدي في مدينة النهود أكد لي أن عزة هي بنت أمدرمانية أحبها خليل فرح ونظم فيها القصيدة المشهورة ولتعطش السودانيين في تلك الفترة للأغاني الوطنية وصفت عزة بالوطن ولأن الناس كانو يعيبون علي الشاعر أن يصف محبوبته في ذلك الزمن حتي جاء نمط صريح لاحقا عبر عن ثورة في العادات والتقاليد واصفا النساء بصورة اوضحة.
سرور وعشة الفلاتية
ظهور الإذاعة كان له دور كبير في انتشار الأغنية السودانية حيث كانت تبث أغنية كل يوم علي الهواء من البوستة أمدرمان قبل أن تنتقل إلى بيت الأمانة واضاف بروف عوض أن المذيع صلاح أحمد محمد صالح كان شاعر أيضا وهو شاعر أغنية (يا مسافر وناسي هواك). ومقدم برنامج إذاعي يبث الأغنيات الجديدة في تلك الحقبة.
واشتهر بمقولته الخالدة (والآن نفتح حقيبة الفن) وكان المستمعين يسمعون صوت فتح الشطنة الحديد لإستخراج أسطوانات الأغاني لذلك سميت الأغاني في تلك الفترة بأغاني الحقيبة.
وقال إزداد عدد الفنانيين وأدخل الكاشف الموسيقي في تلك الفترة رغم أنه لا يجيد عزف أي آلة موسيقية مما غير ملامح الغناء. ومن الذين سطع نجمهم وقتها إبراهيم عوض وعثمان حسين وأحمد المصطفي
وأكد عوض في حديثة أنه في أحد الأيام حضر سرورو إلي الإذاعة كالعادة لتسجيل أغنية فوجد إمراة تدندن بأغاني جديدة وعند السؤال عنها قالو إن إسمها (عشة الفلاتية) تستعد لتسجيل أغنية في الإذاعة. الأمر الذى ازعج سرور و أثار غضبة وقام برمي (الرق) من يده وأقسم ان لا يغني مطلقا بسبب دخول النساء المجال. وبالفعل لم يغن بعدها حتي هاجر إلي المملكة العربية السعودية وعمل في قصر الملك فيصل ثم إلي إرتريا التي مات ودفن فيها.
توحيد الهوية
بعد ذلك ظهر الغناء النسائي فبرزت عشة الفلاتية – مني الخير- أم الحسن الشايقية وكذلك ظهر عدد من الفنانين بأسماء غير أسماء العائلة منهم (سيد خليفة؛ والعطبراوي؛ وصلاح بن البادية) وقال بعدها بدأت الإذاعة في توحيد الهوية السودانية في اللسان العربي والغناء والأخبار وكل شي باللغة العربية لكنها لم تغفل عن اللهجات السودانية وأغانيها لذلك طرحت برنامج (ربوع السودان) الذي يقدمه علي الحسن مالك لعكس الغناء باللهجات المختلفة ولم تكن بالإذاعة وقتها أي أغنية لفنان النوبة الاول صلاح ولولي إلا بعد أن قابلته في الاذاعة وتعرفت عليه وتم تسجيل أحد أغانيه بصورة سريعة ليست بنفس الجودة التي تغنى بها في السابق لعامل السن.
ترسيخ وإنتشار
مدير إذاعة البيت السوداني الأستاذ عمر محي الدين قال إن إنتقال الأغنية السودانية في فترة الحرب إلي جنوب مصر كان له الأثر الكبير في إحياء أغنيات وطنية وترسيخ لأغنيات في وجدان الشعبين رغم أن البعض يصف الأغاني بأنها نوبية لكنها سودانية أصيلة يعرفها السودانيين منذ فترة طويلة لذلك هجرة السودانيين وإمتزاجهم مع المجتمعات المختلفة ساهم في نشر الأغنية السودانية وتعريف العالم بها وبالسلم الخماسي الذي بدأ في الإنتشار عالمياَ
وأضاف الإعلامي أنس الزومة أن الأغنية السودانية في فترة من الفترات إتخذت منحنى قومي وأصبحت أغاني الشمال (لسان الحال غلب) تتردد في كل السودان وكذلك (بنيتي حسابه) بغض النظر عن البيئة التي أخرجتها للناس لكنها أصبحت لسان الجميع في الشارع وغيرها من أغنيات الشرق والجنوب.
الفنان المبدع عادل عثمان الطيب من رواد أغاني الطمبور أطرب الحضور وكان فاكهة المنتدي قال في مجمل حديثه عن الأغنية السودانية أن التراث وتنوع الهوية السودانية هي ما جعلها مختلفة وأضاف لها نكهة لاتشبه غيرها وقال أن البلاد تحتاج إلي الإستقرار لتتكامل الجهود ويعود الوطن كما كان وتنهض الأمة بسواعد بنيها
وكان ختاماََ رائعاََ حيث تغنى بأروع الأغنيات التي نالت إعجاب الحضور وتفاعلو معها بشكل كبير وقد كان للتوثيق بالمنتدي الأثر الكبير في انتشاره بعدسة الدكتور عثمان البصير احد مؤسسي المنتدي بالمنطقة الذي ساهم في رفع كافة المنتديات علي وسائل التواصل الاجتماعي مما لاقي قبول اكبر قدر من شرائح المجتمع.