حرب السودان .. “عبد الحي يوسف” يُسقط الأقنعة
لم يكن الشعب السوداني بحاجة إلى تصريحات من أبرز رجال الدين في الحركة الإسلامية السودانية (الإخوان المسلمين)، وأحد الداعمين لنظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير، لفهم حقيقة الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع
تقرير: منعم سليمان
لم يكن الشعب السوداني بحاجة إلى تصريحات من أبرز رجال الدين في الحركة الإسلامية السودانية (الإخوان المسلمين)، وأحد الداعمين لنظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير، لفهم حقيقة الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
لكن الحملة العنيفة التي شنها عبد الحي يوسف، رجل الدين المقيم في تركيا، على قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، حملت إشارات هامة إلى أبعاد الصراع، خاصة عندما كشف عن خبايا الحرب وما قبلها، ووصف البرهان بأوصاف شديدة السوء، وحمّله مسؤولية إشتعال الحرب وتطورها. كيف بدأت هذه المواجهة؟
(الهجوم على البرهان)
ووصف عبد الحي قائد الجيش البرهان بأنه على علاقة بـ”الصهاينة”، ورجل بلا أخلاق أو دين. كما إتهمه بتقوية وتعزيز قوات الدعم السريع بالسلاح والمعدات، والسماح لها بالتمركز في مواقع استراتيجية، مثل القيادة العامة والقصر الجمهوري ومبنى التلفزيون، مؤكداً أن كل هذه الأمور كانت تحت علمه وموافقته.
وخلال استضافته من قِبل مركز مقاربات للتنمية السياسية في إسطنبول، هاجم عبد الحي يوسف قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بضراوة غير مسبوقة، قائلاً إن الإسلاميين لا يثقون به مطلقاً، وحمّله النصيب الأكبر من مسؤولية الأزمة الراهنة. كما أرجع ما سماها “الإنتصارات الأخيرة” للجيش إلى مشاركة كتائب المجاهدين الإسلامية، التي وصفها بأنها تقاتل ضد قوات الدعم السريع أكثر من الجيش.
(مشاركة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين)
كشف عبد الحي أن وفد من الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين -من أعلى الهيئات داخل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين -، وذكر من الوفد إسم نائب رئيس الإتحاد “محمد الددو”، وهو سلفي جهادي موريتاني، التقى بالحكومة التركية لحثها على الدعم والمساندة بالسلاح في الحرب ضد قوات الدعم السريع. إلا أن الحكومة التركية، ممثلة في وزير خارجيتها، لم تستجب، ورفضت – بحسب قوله – لأسباب تتعلق بشخصية البرهان، واصفة إياه بأنه “غير محترم” وكذاب “غير ملتزم بالعهود”.
(حقيقة ما يسمى بالمقاومة الشعبية)
أماط اللثام عن أن ما يُسمّى “المقاومة الشعبية”، التي تم إشهارها في وقت سابق من العام كقوات شعبية مساندة للجيش السوداني، ما هي إلا غطاء لكتائب المجاهدين التابعة للحركة الإسلامية السودانية (إخوان).
وعبد الحي يوسف، الذي يعتبر أحد أهم أئمة الحركة الجهادية الحربية وسط التيار الإسلامي، كان يتحدث بأريحية، باعتبار أن المنصة التي كان يتحدث منها منصة تابعة للفرع السوري من التنظيم العالمي للإخوان الذي يتخذ تركيا مقراً له.
وقد أطلق عليها هذا الاسم تمويهاً وتحايلاً على مصطلح (الجهاد) الذي أصبح منبوذاً – وفقاً لوصفه – مشيراً إلى أن هذه المليشيات دُرّبت على السلاح تحت إشراف من أطلق عليهم قُدامى “المجاهدين” الذين خاضوا الحرب في جنوب السودان؛ والتي انتهت بإنفصاله وإعلانه دولة مستقلة.
(تأكيد المؤكد حرب الكيزان)
تصريحات عبد الحي أكدت المؤكد، وحسمت بما لا يدع مجالاً للشك أن الحركة الإسلامية هي المحرك الرئيسي للحرب في السودان، وأن الجيش مجرد واجهة لتحقيق أهدافهم السياسية.
ومنذ بداية الحرب في السودان في 15 أبريل 2023، ظلت القوى السياسية السودانية المناهضة للحرب تؤكد بأن هذه الحرب أشعلتها وتقودها الحركة الإسلامية السودانية، التي تعرف في السودان بـ”الكيزان”، وجناحها السياسي (حزب المؤتمر الوطني)، من أجل استعادة السلطة التي فقدتها بعد الثورة الشعبية في 2019. وهذا ما اعترف به عبد الحي في محاضرته، وردد عبارته الشهيرة التي سبق وقالها بطريقة أخرى مع بداية الحرب: *”إن الله ساق هذه الحرب لإعادة ألق الحركة الإسلامية وقوتها”.
(إخوان داخل مكتب البرهان)
لم يكتف عبد الحي بتوجيه الانتقادات للبرهان، بل طالبه بالكشف عن تفاصيل زياراته الخارجية، ومنها زيارته الأخيرة للولايات المتحدة.
وأخطر ما صرّح به عبد الحي يوسف خلال المحاضرة سالفة الذكر، هو قوله إن قائد الجيش: “أعجز من أن يقضي على الإسلاميين”؛ لأنهم موجودون حتى في مكتبه، ما يعني أنهم يتحكمون بمفاصل الحرب وسياقاتها، وبقيادة الجيش نفسها. بل يتحكمون في قرارات البرهان، الذي لا حول ولا قوة له، وأنه واقع تماماً تحت سيطرة “الإخوان”، يحركونه كدمية وفقاً لمصالحهم.
(بيان فاضح)
في وقت متأخر من الليل، أصدرت الحركة الإسلامية السودانية أمس بياناً خجولاً، اختتمته بجزئية صغيرة نفت فيها وجود علاقة تنظيمية تجمعها بعبد الحي يوسف. ويبدو أن البيان لم يكن الغرض منه نفي العلاقة بعبد الحي، بل محاولة معالجة كشفه للمستور بينها وبين قائد الجيش، وفضحه لعملية سنّ السكاكين التي تدور في الخفاء، فأكدت في بيانها دعمها للقوات المسلحة.
لكن محللين اعتبروا البيان محاولة لتخفيف الضرر، مشيرين إلى أن العلاقة بين الإخوان والبرهان انتهت فعلياً.
وقال محلل سياسي إن أسهم عبد الحي في هذه الحرب أكبر من أسهم بقية أعضاء الحركة الإسلامية: ”عبد الحي ظل يعمل من أجل هذه الحرب منذ بداية الحكومة المدنية الانتقالية برئاسة حمدوك، وهو الذي قاد منذ بداية الحرب، ولا يزال يقود، الحرب الإعلامية وحملات التضليل وإضفاء صبغة دينية على حربهم التي أشعلوها من أجل العودة إلى السلطة، وذلك عبر قناته التلفزيونية (قناة طيبة) التي تبث من تركيا.
كما أنه يقود جميع حملات الدعم المادي والعيني وسط أعضاء الحركة الإسلامية السودانية المقيمين في تركيا لصالح المجاهدين الذين يحاربون على الأرض”.
(أهداف سياسية)
تكشف تصريحات عبد الحي يوسف عن أبعاد الصراع في السودان ودور الحركة الإسلامية (الإخوان المسلمين) في إشعال الحرب، واستغلال الجيش كواجهة لتحقيق أهدافهم السياسية. وبينما يؤكد عبد الحي أن الإسلاميين يتحكمون بمفاصل الدولة والجيش، فإن المواجهة بين البرهان والإخوان قد تتحول إلى صراع داخلي جديد يزيد من تعقيد الأوضاع، مع تغير في التحالفات وتعدد الأطراف المتنازعة، ربما تقود إلى انقسامات وسط الجيش نفسه، ما يطيل من أمد الحرب التي تسببت في كارثة إنسانية هي الأكبر في العالم.