التحول الرقمي.. مدخل لإحياء الخدمة المدنية في السودان
بقلم: علي أحمد أبوسالمة
يشهد السودان في هذه المرحلة مسارًا جديدا نحو التحول الرقمي، تقوده وزارة الاتصالات والتحول الرقمي، التي تعمل على تنفيذ سياسة الدولة في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتطوير البنية التحتية الرقمية.
جهود تحمد للوزارة في وقت بات فيه التحول من الورقي إلى الإلكتروني ضرورة وطنية وليس ترفا إداريا، فهو الضامن للشفافية وحفظ الحقوق والارتقاء بالأداء المؤسسي.
لكن رغم هذا التوجه الواعد، ما زالت الخدمة المدنية وهي عمود الدولة الإداري تعاني من ترهل مزمن بسبب الإهمال الإداري والفني، وفقدان الأنظمة التي تضمن العدالة في تقييم العاملين وترقياتهم.
لقد آن الأوان لأن نربط بين التحول الرقمي وإصلاح الخدمة المدنية، فهما وجهان لعملة واحدة، لا يمكن لأحدهما أن ينجح بمعزل عن الآخر.
ومن هنا يأتي مقترح أراه جوهريا ومكملا لجهود الوزارة، وهو:
إنشاء نظام رقمي موحد للعاملين بالمؤسسات الحكومية (IP System).
هذا النظام يمثل ثورة في الإدارة الحكومية، إذ يتيح لكل موظف رقما وظيفيا موحدا يرافقه طوال مسيرته المهنية، يوثق حضوره وأداءه وإنجازاته ومهامه داخل المؤسسة وخارجها.
وبذلك يستغنى عن التقارير الورقية التقليدية التي كثيرا ما كانت سببا في ظلم العاملين، إما بسبب المحاباة أو الخلافات الإدارية.
النظام الرقمي المقترح يضمن العدالة في التقييم والترقي، ويحول دون تدخل المزاج الشخصي في منح الدرجات الوظيفية.
فالتقارير ستكون مبنية على أداء فعلي، ومعايير واضحة يمكن متابعتها عبر النظام إلكترونيًا من قِبل:
العامل نفسه، والمدير المباشر، والمدير العام، ووحدة التحول الرقمي بالوزارة، وإدارة شؤون الأفراد.
أبرز مزايا النظام:
تسجيل الحضور والانصراف إلكترونيا.
متابعة التكليفات الإدارية والميدانية.
تقييم الأداء بشكل دوري وموضوعي.
ربط مباشر بين المؤسسات ووزارة العمل والإصلاح الإداري (ملف العاملين) إلكتروني والاستغناء من الملفات الورقية.
تحقيق مبدأ الشفافية والانضباط الإداري.
رفع مستوى الرضا الوظيفي والإنتاجية.
عدالة في الترقيات والتحفيز السنوي.
تخطيط مستقبلي للتعيين والتقاعد وفق بيانات دقيقة.
مثل هذا النظام إذا تم تبنيه سوف يعيد الثقة المفقودة بين العامل والمؤسسة، وسوف يساعد في ترميم ما أفسدته سنوات من الجمود الإداري.
كما أنه سيجعل من الحكومة الإلكترونية وسيلة فعالة لحماية الحقوق وتحفيز الأداء، لا مجرد شعارات أو منصات جامدة.
وفي ظل تجارب وطنية ناجحة في مجال التحول الرقمي، مثل شركات الاتصالات، يمكن للقطاع الحكومي أن يستفيد من هذه الخبرات الوطنية لتطبيق النظام المقترح على مستوى الدولة.
إن التحول الرقمي ليس فقط تحديثات تقنية، بل ثورة إدارية وأخلاقية، تضع معيار الكفاءة فوق الولاء الشخصي، والإنجاز فوق العلاقات.
فإذا تحقق ذلك، يمكن القول إن السودان بدأ فعلا يسير نحو دولة المؤسسات الحديثة القائمة على العدالة والمساءلة والشفافية.