الأخبار

المهندس عمر البكرى أبو حراز يكتب: الموقف أخطر مما يتصور الكثيرون

139
عمر البكرى أبو حراز صورة إرشيفية (قناة الشروق)

الموقف أخطر مما يتصور الكثيرون
مهندس: عمر البكري أبو حراز

تاريخ السودان منذ الإستقلال يحدثنا أنه لم ينجح أي إنقلاب عسكري ضد حكم عسكري وإن كل الإنقلابات التي نجحت وحكمت لسنوات كانت ضد حكم مدني كامل الدسم.. أول حكم عسكري بعد الإستقلال كان في 17 نوفمبر 1958 بقيادة الفريق عبود الذي حكم حتى 21 أكتوبر 1964، كان انقلاباً على حكومة حزب الأمة المدنية برئاسة عبد الله خليل. جرت في حكم عبود العسكري محاولة انقلابية واحدة فاشلة بقيادة علي حامد، يعقوب كبيدة، الطيار الصادق محمد الحسن وآخرين تمت محاكمة قيادات الإنقلاب في محاكم عسكرية إيجازية وتم إعدامهم بعدها.
الإنقلاب الثاني في 25 مايو 1969 بقيادة العقيد جعفر نميري وضباط صغار معظمهم برتبة رائد، نجح الإنقلاب في الإستيلاء على السلطة المدنية في حكومة حزب الأمة أيضاً برئاسة محمد أحمد محجوب،

استمر حكم نميري حتى أبريل 1985 حوالي ستة عشر عاماً جرت خلالها ثلاثة إنقلابات فاشلة- الأول انقلاب هاشم العطا في 19 يوليو 1971 والذي حكم لمدة ثلاثة أيام فقط، تمت محاكمة قيادات الإنقلاب العسكرية والمدنية في محاكم عسكرية إيجازية في معسكر مصنع الذخيرة بالشجرة تم فيها الإعدام الفوري بعد صدور الأحكام بدقائق على المقدم بابكر النور، الرائد هاشم العطا، والرائد فاروق حمد الله وعسكريين آخرين، إضافة إلى قادة مدنيين تم إعدامهم شنقاً في كوبر، أبرزهم عبد الخالق محجوب، الشفيع أحمد الشيخ، وجوزيف قرنق وآخرين. الإنقلاب الثالث الفاشل كان بقيادة المقدم حسن حسين في 5 سبتمبر 1975 تمت محاكمة قياداته وإعدامهم في معسكر المدفعية عطبرة.

الإنقلاب الرابع الفاشل كان ما عُرف بـ(المرتزقة) لأن معظم من نفذه جاء من ليبيا وكان الإنقلاب بقيادة محمد نور سعد وذلك في العام 1976، تمت المحاكمات العسكرية الإيجازية وتم إعدام كل قيادات الإنقلاب والمدنيين وعدد كبير منهم قتل في معارك داخل الخرطوم قبل المحاكمات.

زال حكم نميري بعد ثورة أبريل 1985 أعقبتها ثلاث حكومات مدنية كلها كانت برئاسة الإمام الصادق المهدي في الفترة من 1986 حتى 30 يونيو 1989 عندما نجح انقلاب الحركة الإسلامية برئاسة العميد عمر البشير. بعد حوالي العام من إنقلاب الإنقاذ العسكري جرت محاولة إنقلابية في أبريل 1990 برئاسة اللواء طيار خالد الزين وضباط آخرين، فشل الإنقلاب بعد ساعات من وقوعه وتمت محاكمة كل الضباط الإنقلابيين في وادي سيدنا، في محاكم عسكرية إيجازية غير عادلة تم فيها إعدام 28 ضابطاً بعد دقائق من صدور أحكام الإعدام بصورة وحشية غير إنسانية وتم دفنهم في مقابر جماعية وبعضهم تم دفنهم أحياء.

زال حكم الإنقاذ بالثورة الشعبية السلمية العظيمة بقيادة تجمع المهنيين (كان مكونات النقابات المهنية الشرعية التي تم حلها مع بداية حكم الإنقاذ)، والتي بدأت في سبتمبر 2013، استمرت خامدة تعمل في سرية بعد قتل أكثر من مئتين من الثوار الشباب الشرفاء، عادت الثورة بقوة في ديسمبر 2018 في مواكب مليونية غير مسبوقة داخل وخارج السودان خاصة في أوروبا حتى بلغت ذروتها في الإعتصام المليوني الشهير في 6 أبريل 2019، الذي أجبر اللجنة الأمنية في حكم البشير المكونة من قيادات الجيش العليا على الإنحياز للثوار الذين ساندهم بقوة قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، الذي نال إعجاب الثوار ووضعوا صوره في ساحة الإعتصام حول القيادة العامة للجيش تقديراً لدوره في الوقوف مع الثوار، وفي المقابل قوبل حميدتي باستهجان وكراهية الحركة الإسلامية له، ولولا ضلوع قواته في لغز محير لن يحله إلا تقرير لجنة أديب (إذا طلع) في عملية فض الإعتصام البشعة غير الإنسانية، والتي سبقها تبدل في موقفه بمهاجمة الثوار في لقاءات وتصريحات عدائية لكان حميدتي الآن في قيادة الثورة العظيمة مدعوماً بالشباب والشابات الثوار الذين أشادوا به بعد نجاح الثورة.

تصريح حميدتي بعد فض الإعتصام في مجزرة غير إنسانية عن الفخ الذي وقع فيه مقروءاً مع تصريح الفريق ياسر العطا في عطبرة بعد أن رفض الثوار الأشاوس إستقباله والإستماع إلى حديثه عندما قطع خطابه قائلاً: (بجي اليوم الذي سوف تستقبلوني فيه بصورة أحسن)، يشير إلى أن هناك المثير الخطر في تقرير لجنة أديب (لو طلع).

إمتداداً لسردنا في أنه لم ينجح إنقلاب عسكري ضد حكم عسكري (إعتبار أن الحكم الإنتقالي الآن بكل المقاييس عسكري)، فإن أول محاولة إنقلاب فاشلة كانت العام الماضي بقيادة رئيس الأركان السابق الفريق هاشم عبد المطلب الذي اعترف بأنه ينتمي إلى الحركة الإسلامية السودانية، ومنذ ذلك التاريخ فهو ومن معه من العسكريين معتقلين ولا أحد يعلم أي شئ عن محاكمتهم. فشل إنقلاب عبد المطلب قبل التحرك، الإنقلاب الثاني الفاشل في الفترة الإنتقالية العسكرية كان الأسبوع الماضي في 21 سبتمبر 2021 والذي بدأ التحرك من المدرعات تم القضاء عليه في حينه.

مهما تباينت الآراء والنظريات بين أنه محاولة إنقلاب حقيقية فشلت أو أنه (مفبرك) غير حقيقي فإن الدروس والإشارات والرسائل التي أعقبته في تقديري إيجابية في صالح الثورة المدنية الظافرة بإذن الله للأسباب الآتية:

أولاً: تسارع بيانات الترويكا (أمريكا، إنجلترا والنرويج) والأمم المتحدة ممثلة في مندوب الأمين العام المستر فولكر، ثم وزارة الخارجية الأمريكية في إدانة المحاولة الإنقلابية وتأكيد رفضهم القاطع لأي تهديد للتحول الديمقراطي المدني في السودان، ومطالبتهم بابتعاد العسكرعن أي حكم قادم في السودان، كلها رسائل خطيرة تؤكد وقوفهم مع التحول المدني في الحكم، وتتضمن إشارات مبطنة بتدخلهم المباشر في الحفاظ على الوضع الإنتقالي والتحول الديمقراطي واحتمال إحالة السودان إلى البند السابع، الذي يتيح التدخل العسكري الأممي في حالة أن الوضع يهدد الأمن والسلم العالميين.

ثانياً: بدأ المكون المدني في استشعار الخطر المحيط بالثورة الشعبية في تنفيذ شعاراتها مما جعله يدعو إلى وحدة الصفوف ونبذ الخلافات، والإسراع في إكمال هياكل الفترة الإنتقالية مثل المجلس التشريعي، إكمال الجهاز العدلي بتعيين رئيس القضاء ومجلس القضاء العالي والمحكمة الدستورية وإعادة قوى الحرية والتغيير إلى تماسكها وتكوين المفوضيات ودعم ومؤازرة لجنة إزالة التمكين.

ثالثاً: المكون العسكري بالطبع فهم إشارات رسائل المجتمع الدولي في ضرورة المحافظة على الفترة الإنتقالية والتحول الديمقراطي، لذلك سيدعم هذا التوجه وسيعمل على خلق جيش قومي واحد يضم قوات الدعم السريع وفصائل قوات حركات الكفاح المسلح.. تصريحات الفريق أول البرهان في المدرعات تؤكد ذلك حينما قال: نريد حكماً مدنياً يحترم العسكريين ويقدر دورهم في الثورة وحمايتها وحماية البلاد.

تصريح البرهان هذا وتصريحات نائبه حميدتي يشيران إلى إن الفجوة بين المكون المدني والعسكري زادت وتعقدت بسبب اختلاط (الكيمان)- كوم به المكون المدني المتمثل في غالبية قوى الحرية والتغيير معهم بعض العسكريين غير الظاهرين، و(الكوم) الآخر من العسكريين في القيادة العليا ومعهم كل المدنيين في قيادات الكفاح المسلح وبعض قيادات الإدارات الأهلية في الشرق (ترك) والغرب (مناوي)،

إتساع الشقة بين المدنيين والعسكريين وتنامي الخطابات العدائية بينهما مع تصاعد التفلتات الأمنية في المدن ودارفور، وإغلاق الطريق الرئيسي بين بورتسودان والخرطوم وتهديدات بقفل مطار بورتسودان وكل الشرق سيؤدي إلى وضع يهدد الأمن والسلم العالميين، خاصة في منطقة القرن الأفريقي الحساسة واضطراب الأحوال في أثيوبيا واحتمال امتداده مع إريتريا،

كلها تتيح للأمم المتحدة وضع السودان تحت الفصل السابع وذلك بموجب مذكرة ضافية من فولكر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في السودان تحت الفصل السادس والذي أصدر بياناً واضحاً يؤيد التحول الديمقراطي ودعم الثوار.

الفصل السابع يتيح التدخل العسكري الأممي بواسطة أي دولة يطلب منها الأمين العام ذلك كما حدث في العراق عندما دخلت أمريكا وأزالت أعتى نظام في الشرق الأوسط، قوات الأفروكوم الأمريكية جاهزة تماماً للتدخل متى ما انهار السودان وعمّت الفوضى.. الموقف أخطر مما يتصور الكثيرون.

أكتب تعليقـكـ هنــا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد