الأخبار

عثمان ميرغني يكتب: أطول عملية “احتيال” في التاريخ

177

عثمان ميرغني

أطول عملية “احتيال” في التاريخ

كم عدد عضوية كل الأحزاب السودانية؟ عشرة آلاف؟ عشرون؟ خمسون ألف. بل مائة ألف؟ كم نسبة هذا الرقم لكل أهل السودان؟ 1% ؟ 2%؟ كم ؟

يصبح السؤال الحقيقي من يمثل مصلحة أهل السودان؟ وبعبارة أكثر دقة، هل تعبر الأحزاب ، كل الأحزاب، عن مصالح عضويتها أم مصالح كل أهل السودان؟

حسناً، لا خلاف أن الأحزاب هي منابر العمل السياسي بغض النظر عن نسبة عضويتها لمجموع الشعب، ويجب أن نعمل جميعاً على توقيرها وتطويرها وتشجيعها لأداء عملها على أفضل وجه، ولكن هذه الأحزاب مهما أحسنت النوايا لن تستطيع أن تعبر عن مصالح الوطن إن لم يكن الشعب نفسه قادراً على التعبير الصادق عن مصالحه..

وبكل أسف رغم أن شعب السودان مستنير و أنجز ثلاث ثورات شعبية في العصر الحديث إلا أنه ميال للشعارات أكثر من الطلبات.. يحصر همته وحماسه في العمل الثوري المرتبط بالقيم دون ربطها بالعمل المنتج للتغيير ونقل البلاد إلى واقع جديد..

من هنا تنهض مهمة وطنية كبرى يجب أن يتناصر عليها ويلتف حولها العقلاء من كل حدب وصوب بلا تمييز للبطاقة الحزبية أو الجهوية أو القبلية أو الدينية.. مهمة رفع رايات المصالح فوق كل راية..

شعب السودان ظل ولا يزال يخضع لأطول عملية احتيال في التاريخ، منذ الاستقلال في 1956 وحتى اليوم لا تزال النخب تبيع للشعب الهواء معبأ في حاويات أنيقة مكتوب عليها “صنع خصيصاً لشعب السودان”..

المهمة التي يجب أن يضطلع بها عقلاء السودان اليوم قبل غد، تأليف وحدة مصالح عليا مشتركة لشعب السودان، وتأسيس علاقة جديدة بين الحُكم والمحكومين… بين القيادة والقاعدة.. بين النخب الحاكمة والعموم المحكومين.. علاقة أشبه بتعاقد مالك الأرض بالمقاول.. شرعية الإنجاز لا إنجاز الشرعية.. بغض النظر عن الحاكم شخصاً أو حزباً أو تحالفاً..

تأسيس علاقة المصلحة بين الحكومة والمجتمع حتمي لضمان رفع كفاءة الحكم و ترفيع القدرة على الإنجاز.. والخلل في هذه العلاقة – من جهة أخرى- يقود لفشل الحكومة وبالتالي فشل الدولة كما هو كائن الآن في بلادنا..

واضرب لكم مثلاً بذلك حكومة الثورة ، من اليوم الأول الذي تسلم فيه الدكتور عبد الله حمدوك منصبه رئيساً لمجلس الوزراء هتف الشعب السوداني (شكراً حمدوك) أشبه برجل يدفع للمقاول كامل استحقاقه ومعه خطاب شكر قبل أن يستجلب المقاول آليات العمل للموقع وقبل أن يبدأ في تنفيذ العقد!!

إحساس أي موظف – حتى ولو كان رئيس الوزراء نفسه- برضاء الحاكم يمنحه ضمانات وحصانة ضد العجز حتى ولو لم ينجز شيئاً على الإطلاق..

من الحكمة تأسيس علاقة جديدة في الدولة السودانية بين الحاكم – شخصاً أو حزباً أو تحالفاً- والشعب.. علاقة تعاقد صريحة بمطلوبات محددة لا تستوفيها إلا شهادة إنجاز في نهاية المدة أو إذا تقاعس المقاول فإن المالك غير ملوم في إنهاء العقد قبل موعده واستبداله بآخر.

حتى ننهي أول عملية احتيال في التاريخ..
احتيال النخب السودانية على الشعب السوداني..

أكتب تعليقـكـ هنــا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد