الأخبار

كمال الجزولي: فهل يتبقَّى بعد هذا ما يمكن وصفه بأنه «غير هيِّن»!؟

82

د.كمال الجزولي

د.كمال الجزولي

تنتشر، منذ حين، نظريَّات تركِّز على مهاجمة الشِّيوعيِّين السُّودانيِّين لوقوفهم ضد أمريكا، والغرب عموماً، ساعية لتصوير هذه القوى كحليفة لبلادنا، وللقول بأن الشِّيوعيِّين السُّودانيِّين يغلقون، في نفس الوقت، أعينهم، ويصمُّون آذانهم، عن مواقف روسيا والصِّين المعاديتين لشعوبنا، كما لو آن هؤلاء الشِّيوعيِّين متحالفون معهما !

هذه نظريَّات غريبة، والأغرب منها مصادرها التي يصعب تصديق جهلها بمتغيِّرات الأوضاع السِّياسيَّة الدَّوليَّة في الوقت الرَّاهن، إلى حدِّ الخلط المريع بين روسيا الشِّيوعيَّة سابقاً، وروسيا الرَّأسماليَّة حاليَاً، وإلى حدِّ عدم الإدراك التراجيدي لموقف الشِّيوعيِّين السُّودانيِّين الحقيقي مِن الصِّين حزباً وحكومة !

أمَّا في ما يتَّصل بالموقف النَّاقد لأمريكا بالذَّات، فإن عين الرِّضا عنها هي وحدها التي لا ترى عيباً في كونها لم تعيِّن سفيراً لها بالخرطوم طوال فترة حمدوك، بينما عيَّنته الآن تحت سلطة «الأمر الواقع» الانقلابيَّة !

ولو كان المنطق وراء ذلك هو ارتباط ترفيع مستوى التَّمثيل الدِّبلوماسي بمسألة العقوبات، فإنه مردود عليه من زاويتين:

الأولى هي أن مسألة العقوبات عولجت على أيَّام حمدوك، بينما التَّرفيع جرى في عقابيل انقلاب 25 أكتوبر!

أمَّا من الزَّاوية الأخرى، فإن لأمريكا «سفيراً» في موسكو الآن، بل منذ ما قبل الحرب الرُّوسيَّة على أوكرانيا !

وحتَّى إذا غضضنا الطَّرف عن دلالة هتين المفارقتين بشأن مسألة التَّرفيع، فمِن الصَّعب غضُّ الطَّرف عن دلالة المسألة المتعلِّقة بإجراءات تقديم أوراق اعتماد السفير الأمريكي الجَّديد جون غود فري! ذلك أنه، على حين استقبل البرهان كلَّ السُّفراء الجُّدد إلى الخرطوم قبله، مرتدياً البزَّة المدنيَّة، تعمَّد أن يستقبل غود فري بالبزَّة العسكريَّة الكاملة !

ولئن لم يكن لأحدٍ أن ينفي عن هذه المسألة الدِّبلوماسيَّة أيَّة رمزيَّة خاصَّة، فإنه ليس لأحد أن يتَّهم أمريكا بنقصان الحساسيَّة إزاء هذا النَّوع الخاصِّ مِن التَّرميزات السُّلوكيَّة على صعيد العلاقات الدَّوليَّة !

فعلى حين كان سفيرها يتهيَّأ لتقديم أوراق اعتماده إلى قائد الانقلاب في الخرطوم، كانت الشَّوارع السُّودانيَّة تغلي ضدَّ نظام العسكر، مطالبة بمدنيَّة الحكم، فمن غير المحتمل ألا تكون مخابرات أمريكا على علم بما يخطِّط له الجَّنرال !

وطالما كان ذلك كذلك، فالسُّؤال المنطقي هو لماذا «تهاونت» الإدارة الأمريكيَّة تجاه هذا الأمر؟!

ولماذا صار «هيِّناً»، بينما هو بكل المعايير الدِّبلوماسيَّة «غيرُ هيِّن»؟!

الإجابة لدى جارد كوشنر، صهر الرَّئيس الأمريكي السَّابق ترامب، ومساعده، في كتابه الصَّادر حديثاً بعنوان «Breaking History»، والذي أضاء فيه بعض عتمة هذه المسألة،

حيث أفاد بأن التَّفاوض مع شخصيَّات لجنة البشير الأمنيَّة قد جرى على قبول التَّطبيع مع إسرائيل، وتيسير إبرام «اتِّفاق ابراهام»، مقابل تعهُّد أمريكا بحماية هؤلاء من أيِّ اتِّهامات ربَّما تطالهم بشأن ما قد يكونوا ارتكبوه خلال النِّظام البائد ؟!

فهل يتبقَّى، بعد هذا، ما يمكن وصفه بأنه «غير هيِّن»!”
د.كمال الجزولي

أكتب تعليقـكـ هنــا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد