الأخبار

ودع سيب .. سيب الخرطوم .. د.بشير عثمان

278


? د.بشير عثمان

ليه كل الناس عايزه تسكن الخرطوم وتتعالج في الخرطوم وتقرأ في الخرطوم وتقعد بالعصريات في حدائق الخرطوم الوسخانة دي ؟! والخرطوم ذات نفسها مدينة تعيسة لا فيها هواء نظيف، لا موية نظيفة، لا فيها شوارع كويسه، لا مستشفيات حديثة اللهم الا المستشفيات الخاصة، ودي ما بيقدروا عليها كل الناس، يعني اذا لا قدر الله وجابك الشديد القوى لواحدة من المستشفيات دي الا تبيع القدامك والوراك.
الناس دي موهومة .. أي والله موهومة مدني دي عيبوها لي ؟! خضرة وجمال وناس سمحين ورايقين وراقيين، كان ختوهم في الجرح يبرأ. عندي معاها غرام من زمان، من ايام الجامعة، كنت كل شهرين بمشي لاختنا في مدني باخد لي يومين تلاته، بلد سكنه وراحة بال،ياخي لو طالع مشوار ومشيت برجليك بتستمتع بالنيل والخضرة والوجه الحسن.

وفيها جامعة سمعتها ذي الاسترليني، زول عاقل يخلي ده كلو عشان يجي يسكن في الثورة الحارة تلتمية أو سوق ليبيا الحارة سبعمية وستين .. الصباح لما يصل محل شغلو تحلف تقول نازل من بصات دنقلا هسع !! الأبيض عروس الرمال مدينة ناسها ناس كرم وجود واصالة، باشين هاشين، فيها كل مقومات المدينة، بلد أنيقة وناسه حلوين، شوارع نظيفة، مدارس، جامعة بتنافس معظم رصيفاتها الولائيات دي لو ما اكتسحتهم ونافست جامعات الخرطوم. سوق ما فاضي لأي سوق في الخرطوم .. جوها رهيب وعجيب وخاصة في الخريف، أوروبا عديل كده .. المطرة تقيف تطلع من بيتك على طول، لو عايز تتمد في الرملة جلابيتك ما تتوسخ.

زمان في بيتنا كان عندنا جنينة كاملة، أشجار ليمون وأشجار جوافة ومنقة وقريب فروت وعنب وكنا عاملين احواض جرجير وملوخية وبنجر وجزر وفجل وعندنا معظم حيوانات المزرعة، حمام ودجاج وبط وارانب وماعز، وعندنا جيش بتاع قطط، الحاجات دي كلها بتجيب البركة والرزق.

الزول يخلي الحاجات دي كلها ويمشي يسكن في ضواحي الخرطوم، لا عارف نفسه تابع للولاية الشمالية ولا عارف نفسه تابع لكردفان ولا للجزيرة .. محن !!

بورتسودان .. كسلا .. دنقلا .. كوستي .. نيالا .. وغيرهم كلها مدن جميلة والإنسان ممكن يعيش فيها حياة حلوة وهادئة وكريمة ويستمتع بكل لحظة من حياته. ياااخ لو مفلس بتمشي شغلك كداري والساعة اثنين ونص بتكون لابس عراقييك وقاعد في بيتك الناس الزاحمين الخرطوم في الفارغة ديل احسن يشتروا راحتهم وكل واحد يرجع بلدو، (اتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير).

انا شخصيا الخرطوم دي يوم واحد ما عجبتني ، وحتى لما كنت بجيها من الأبيض في رحلات العمل، كنت اول ما أنجز عملي ما بقدر انتظر باصات بكره، فكنت غالبا بجي الميناء البري الظهر وبتخارج في أول قشاش يقابلني. ياخي ارجعوا .. ارجعوا ولاياتكم، افتحوا البيوت وعمروها، عيشوا ملوك معززين مكرمين وسط اهلكم وعشيرتكم، بدل التشرد الحاصل ده. ازرعوا ارضكم واسعوا بهايمكم وانتجوا، الزول الشغال موظف ما يركن للوظيفة، يعمل ليه شوية غنيمايات يشرب منهن اللبن وشوية (جدادات) ياكل منهن بيض، وقفص حمام في البيت، وشوية أرانب (بالمناسبة الأرانب دي فيها لحم رهيب) ويزرع ليه كم مخمس، على حسب استطاعته، حتى لو ما عندك أرض في الولايات مافي زول برفض يمنح زول أرض عشان يزرعها، أن شاء الله تطلع في الموسم ب عشرين شوال عيش، وعشرة شوالات فول، وخمسة ملوة لوبه عدسية ، وخمسة ملوة ويكه، وباقي خيرات الزراعة من كركدي، وشوية سمسم وحب بطيخ، تكون موجودة عندك طول العام في بيتك، ههههههه الحاجات دى على راتبك بتاع الحكومة بتلحقك الموسم .

?ودع سيب .. سيب الخرطوم
د.بشير عثمان – طبيب بيطرى – من الابيض

أكتب تعليقـكـ هنــا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد