الأخبار

قصة قصيرة – جنابو

جنابو

49

قصة قصيرة – جنابو

مصطفى درش

بيت النوراني في الحي الذي نسكن فيه يميزه عن باقي بيوت الحارة بعده قليلا عن بيوت الحلة وشجرات النيم الثلاث الضخمة امام البيت, وتحتها اضخم ازيار ماء قد تراها في حياتك، وان كان من المستحيل ان تجدها باردة, فالعابرين من السوق القريب والمغادرين عادة ما يمرون عليها يشربون ويغتسلون منها والنوراني جالس في كرسيه يبحلق فيهم بانشراح ويتشاغل بتنظيف الأرض من صفق النيم, أو رش الارض الرطبة التي شبعت من مياه الخرطوش المتهالك .
بدأت الحرب .

فقد الكثير من اهل الحارة أعمالهم , عمر الصول اللحام قفل ورشته , علي موظف المحلية وعباس السباك وابنائه. وشباب عطالى وحاج بلة صاحب المعصرة اليدوية ما ندري اين اخفى جمله, فضلوا كلهم الجلوس مع النوراني وحتى سامي الطويل لم تتحرك ركشته فوقفها ودخل التكية .
لايتحدثون الا في الحرب وويلاتها . دخل رجل يبدو من هيئته أن عمره قد تجاوز الاربعين , منظره غريب لكن ما يميزه شعره الطويل المنحدر على كتفيه , وشارب كث طويل لدرجة تجعلك تبحلق فيه قبل ان تمد يدك لتصافحه , ويبدو واثقا من نفسه . ورحبنا به وعرفنا بنفسه انه من الحارة المجاورة وانه ضابط سابق في الاستخبارات العسكرية .


أحسنا ضيافته فالحصة وطن ، وأكرمناه شاي وقهوة . قال لنا انه اتي من معركة معسكر سكراب وانه قد تم ارجاعه للعمل مع بدء الحرب . ثم اخذ يسرد لنا المعارك التي خاضها مع رفقائه وانهم صدوا هجوم الجنويد . ثم ذهب .
وتاني يوم في نفس الميعاد وشاي وقهوة وقرقوش , ثم يسرد لنا معارك خاضها امس وانتصاراته ونحن الاغبياء نهلل ونكبر له والنوراني يقدم له الطيبات ومع كل متك وجغم يجغم من شاي الغزالتين مع القرقوش .


ولاحظنا عند حضوره لنا شنطة قديمة يعلقها على كتفه ويحرص دائما ان تكون بجانبه عندما يجلس ليسرد لنا المعارك . والشنطة مع حرصه عليها فهي تحدث احيانا اصوات ولكن نحن ما يهمنا الا سرد المعارك ولم لا ونحن امام ضابط عظيم . يعرف خفايا معركة الكرامة .
ولأننا مفتونين باخبار المعارك فلا عمل يشغلنا ولا دراسة ترهقنا فالحصة حرب كما يقول محدثنا .
استمر جنابو على هذا المنوال اكثر من أسبوعين , ننتظر حضوره بفارغ الصبر ليحدثنا عن المتك والفتك والجغم . ونحن نجهز الشاي والقهوة واحيانا الفطور ولا نأكل ولا نشرب الا بحضور سعادتو .


دخل علينا في مجلسنا شخص من خارج الحارة يسأل عن امر مع النوراني . ويتفاجأ بمحدثنا يسرد لنا كيف ابلى بلاء حسنا في معركة سابقة له مع الجيش . ويندهش الضيف من السرد العجيب المنمق ، ولكنه لم يصبر على ذلك
وفجاة يصيح بأعلى صوته: يا هارون الجزار انت متين بقيت عسكري وكمان عمليات ؟؟ وكأن الارض انشقت وبلعت هارون الذي سحب شنطته القديمة وصوت السكاكين داخلها يتأرجح وولى هاربا باحثا عن رؤوس فارغة .
ولم نراه مرة اخرى .

أكتب تعليقـكـ هنــا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد