الأخبار

من الأسافير: الفتنة والاستثمار في السلام المفخخ وخطاب الكراهية

21

آراء حرة – دروب الحقيقة
بقلم أحمد مختار البيت


(1)
أحداث النيل الأزرق وتداعياتها الأمنية والاجتماعية، كشفت أن أستاذ التاريخ الجنرال مالك عقار، الذي ظل يفاخر في كل مناسبة، بأنه أمضى 40 عاما مناضلا في الغابات والأدغال من أجل حقوق المضطهدين والمهمشين في النيل الأزرق، لا يعرف تاريخ السودان ومكوناته الاجتماعية، ولا موروثاته ولا عاداته ولا تقاليده، ولا أعرافه، وأنه كان مجرد غاضب من تجاوزه في التقديم للإعارة إلى الخارج، فتمرد بدوافع ذاتية محضة، هى التي ظلت تحركه حتى الآن، في مسيرة بحثه الطويلة عن المنصب البراق والأمتيازات المتعددة، ولن تستطيع مجموعة عقار أن تقنع طفلاً، أنها بريئة من الاستثمار في الفتنة القبلية التي جرت فصولها في النيل الأزرق ومناطق أخرى من السودان.


(2)
ولتأكيد ذلك، يمكن الإشارة إلى سعي الحركة الشعبية شمال، بقيادة عقار، وفي ظل أجواء اتفاق السلام (المفخخ) الذي وقعته الحركات المسلحة في جوبا، لإقامة معسكرات لتدريب مجموعات قبلية في ريفي العباسية تقلي، بولاية جنوب كردفان، وفشلت في توفير أبسط مقومات المعكسر ودخل المغرر بهم، في احتكاكات كادت أن تتحول لفتنة، مع أهالي قري طوطاح وأم فكارين الذين قطعوا الطريق، ورفضوا السماح بالعبور إلا بعد مغادرة المجموعات التي استقدمتها الحركة الشعبية للتدريب، وواصلت مجموعة عقار في استقطاب وإغراء قبائل متعددة وزعمائها، لتخليق حاضنة اجتماعية من القبائل، تداري بها عورة فشلهم الداوي في تحقيق السلام، وسوأة مشاركتهم في جريمة الانقلاب، وللحقيقة والتاريخ، لم تكن حركة عقار (الشعبية) وحدها في نصب شباك السلام المفخخ،

فقد سعت حركة جبريل إبراهيم التي تدعي (العدل والمساواة) من أول مجيئها السودان لتجنيد بقايا الدفاع الشعبي، ومجموعات من أبناء القبائل، وفتحت معسكرات تجنيد، ووزعت رتب مقابل عضويتها في تلك الحركات، وكان الأمر محيرا، كيف لحركات وقعت (اتفاقية سلام)، وبشهود إقليميين ودوليين، أن تعمل للحرب وتجند الجنود وتحشد القبائل والحشود، وتعسكر ابناءها !

إن المخطط كان مفضوحا ومكشوفا، منذ البداية، وتفاصيله تجري في وضح النهار، ويبدو أنه كان ضمن اتفاق قسمة السلطة مع قادة الانقلاب (المؤامرة) في 25 أكتوبر2021م.
واليوم تتكشف أبعادها الاجتماعية والأمنية والاقتصادية، وتؤكد الأحداث الجارية الآن أن الحركات المسلحة خانت الثورة السودانية الملهمة، التي حملت قادتها على أجنحة الشهداء وعبر سلالم أرواحهم، وبسط دماء الضحايا،

ليجلسوا في كراسي السلطة ويوزعوا بينهم الغنائم والوزارات والشركات والمؤسسات والعربات، والذهب، بينما النازحين والمهمشين في معسكراتهم، يموتون بالحسرة والحيرة والجوع، ونقص الأمن والأنفس، والذين قتلوا في معارك الحركات المسلحة (العدمية) يطويهم النسيان، وتغطي قبورهم المجهولة الرمال والأتربة، وتنقر ذكراهم أفئدة أمهاتهم في ظلام الليل.


(3)
إن قدر الشعب السوداني وثورته السلمية، مواجهة صفحة جديدة من الغدر والمؤامرة، هى تفجير فسيفساء المجتمع السوداني ومجتمعاته المحلية، تحت لافتة الإدارة الأهلية وإنصاف القبائل، وتوزيع السلطة والثروة، للمهمشين والمضطهدين في أرياف السودان البعيدة، وهى (كلمة حق أريد بها باطل)، فالهدف الحقيقي، هو التغرير بالمواطنين البسطاء، لخلق منهم منصة شعبية، تمكن المتسلقين الانقلابيين، وقادة الحركات المسلحة، من الوصول، أو البقاء في المناصب والتمتع بالامتيازات عبر التهديد بالعودة للحرب، والتسلط والقوة الجبرية، ونشر القوة المسلحة في العاصمة، وإثارة النزعات القبلية والعنصرية والجهوية في الإقليم لمواجهة خطاب الثورة الداعي للسلام والحرية والسلام ووحدة الشعب، في دولة مدنية الحقوق والواجبات فيها محددة وواضحة، بالقانون،
دولة تمتلك إرادتها وقرارها.


(4)
آن الأوان، بعد الذي جرى، ويجري الآن في ربوع السودان المختلفة، وهدد بشكل جدي النسيج الأهلي بالتمزق، والسلم المجتمعي بالإنفراط، آن الأوان أن تلغى الإدارة الأهلية في كل السودان، وتجرم الدعوة القبلية، وخطاب والكراهية، وتسويق العداء والاستعداء، والتحيزات الجهوية والمناطقية، وافساح المجال واسعا لقوى الثورة الحديثة من أحزاب ولجان مقاومة، وثوار، وثائرات لإبراز وجه السودان المشرق، الذي عرفه العالم عبر ثورة ديسمبر السلمية، التى أعلت من قيمة الإنسان وحقوقه، وارتقت بوعي المواطن، وتجاوزت الفوارق الطبقية، والحساسيات الإثنية المصطنعة، ورسمت ملامح لسودان خالي من العنصرية، وعقد الماضي واحباطاته وخيباته، سودان يشبه أهله، ومقدراتهم وتاريخهم وحضاراتهم.


18 يوليو 2022 – صحيفة الهدف

أكتب تعليقـكـ هنــا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد