الأخبار

ياسر عرمان يكتب: اهمية ومكانة جون كونغ نيون في نضالات القوميين الجنوبين والحركة الشعبية

من الأسافير

69

ياسر عرمان

“اذا اردت ان تكون قوميا جنوبيا مخلصا فكن جون كونغ نيون”
“بالقدر الذي كان فيه جون كونغ نموزجا صالحا للقوميين الجنوبين فهو بالمثل بطل من ابطال الحركة الشعبية والجيش الشعبي”
في يوم الاثنين ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٢م وفي مستشفي نيروبي العاصمة الكينية رحل الرفيق العزيز والقائد المتفرد جون كونغ في هدوء لا يماثل حياته الصاخبة المليئة بالمآثر والبذل والتضحيات في صمت كان صنوا له فهو نادرا ما يعلن عن بطولاته، رحل بعيد اجراس عيد الميلاد والتي التقت بروحه وهي تصعد الي السماء عند مليك رحيم مقتدر.


خاض جون كونغ وشهد اهم معارك الجيش الشعبي العسكرية والسياسية طوال سنوات الحرب وهو من جيل المؤسسين و قد انضم للحركة الشعبية عام ١٩٨٣ بعد ان شارك في تمرد ايوت ١٩٨٣ العسكري، وقد كان جون كونغ نقيب في القوات المسلحة السودانية، تم استيعابه من صفوف الانيانيا الاولي، وهو من مواليد جزيرة فنجاك القديمة و منها اصدقائي الراحلين مرحوم دوت كات ونيون كوج والتي آتي منها احد الخمسة الكبار المؤسسين للحركة والجيش الشعبي وليم نيون وهم علي الترتيب “جون قرنق وكاربينو كواجن ووليم نيون وسلفا كير واروك طون”

وينحدر جون كونغ من قبيلة النوير وهنا استدعي الحديث عن قبيلته لأن موقف جون كونغ من الصراعات القبلية في جنوب السودان امرا رئيسيا في مساهماته العديدة التى طبعت وشكلت صورة متميزة عنه، فقد اتخذ موفقا ثابتا ضد الصراعات القبلية ووقف مع وحدة كل الجنوبيين وهنا تكمن اهمية جون كونغ لسنوات طويلة آتية وهو قائد ورائد في نضالات القوميين الجنوبيين ضد التحيزات القبلية التي اقعدت الجنوب واضرت بوحدته ونضاله ومشروعه في البناء الوطني.

ربما جاز القول ان الجنوبيين الذين سقطوا ضحايا الصراعات القبلية هم اكثر عددا من الذين دفعوا الثمن الغالي في سبيل الاعتراف بانسانيتهم و حقوقهم و حكومات الخرطوم ليست بريئة في ذلك.


في بداية سنوات تأسيس الحركة الشعبية لتحرير السودان وقد شارك فيها جون كونغ بفاعلية و اندلعت معارك مؤلمة بين قوات (انيانيا2) والجيش الشعبي في شرق اعالي النيل وتحالفت الانيانيا2 لاحقا مع الحكومات في الخرطوم وقد كان ذلك مأزقا و تحديا لجون كونغ ورفاقه من ابناء النوير،

و لكن جون كونغ لم يتواني في الانحياز للحركة دون تردد وكأن ذلك واجبا يوميا لا يجلب العناء، والبطولة الحقيقية لجون كونغ ان موقفه استمر منذ ١٩٨٣ الي ديسمبر ٢٠٢٢، دخل في معارك كبيرة ومعقدة، لم يتراجع و عرف بالثبات كصخر الجبال وشجاعة وسمو موقف جون كونغ الأخلاقي يستحق التحية والتقدير وان يدرس لطلبة المدارس واجيال الجنوبين الحاضرة والقادمة.


يجلس جون كونغ في قمة هرم نضالات القوميين الجنوبيين الذين سعوا لوحدة الجنوبيين دون البحث عن وتد من اوتاد القبلية حتي اضحي جون كونغ وتدا من اوتاد وحدة الجنوب.

ارتبط جزء كبير من تاريخ جون كونغ بغرب الاستوائية حينما ذهب سويا مع جيمس واني ايقا للمرة الاولي في تاريخ الحركة والجيش الشعبي الي غرب الاستوائية.


حفل تاريخ القوميين الجنوبين بقادة كبار رفضوا الانحيازات القبلية نذكر منهم هلري باولو لوقالي وبيتر قاركواتث ولكن تفرد وتميز جون كونغ آتي من ممارسته لتلك الفضيلة في سنوات الحرب القاسية وقد قاتل ببسالة وشهدت حياته اختبارات عظيمة اهمها في قضية معسكر “بوكتنغ” .


التقيته للمرة الاولي في يناير ١٩٨٧ في منزل “امون وانتوك” مسئول معسكر “اتنغ” للاجئين في الحدود الاثيوبية خارجا من هزيمة معسكر بوكتنغ المريرة والذي استولت عليه قوات انيانيا2, و حاول البعض ان يصدر اليه بعض الاتهامات.

اطلق عليه الكثيرون لقب ليبفرار ومعناها بلغة النوير “انتظر بعيد” لأنه كان يستخدمها كثيرا للجنود والضباط الذين يأتون لتقديم البلاغات، في ذلك الوقت كان يكثر من تعاطي المشروبات الروحية، وحينما تم تعيينه من قبل جون قرنق نائبا لواني في قيادة غرب الاستوائية اعتقد البعض انه لن يٱتي من تلك المهمة ابدا !

ولكن ذلك الانسان ذو الارادة الحديدية هجر تعاطي المشروبات الروحية وعمل علي انجاح مهمته وعاد بعد ان اكملها علي اكمل وجه و في ذلك درس مفيد.


اعتقد ان خروج وليم نيون من الحركة والجيش الشعبي وهو احد اعمدتها ويأتي من نفس منطقة جون كونغ وتربطه علاقات وثيقة به ازدادت متانة في الانيانيا الاولي والقوات المسلحة وقد تميز الضباط القادمين من القوات المسلحة في داخل الجيش الشعبي بصلات وثيقة مع بعضهم البعض، وشكل خروج وليم نيون بكل تلك المعاني تحديا لجون كونغ ولكنه نجح في هذا الاختبار الصعب مرة اخري كوجبة عادية من وجبات وواجبات الحياة.


كنا في “فقيري” في شرق الاستوائية بالقرب من الحدود اليوغندية كان وليم نيون القائد المتمرس والشجاع وذو التاريخ الطويل في الحركة والجيش الشعبي وذو السند القوي من ابناء النوير والغير مضمون المواقف كان علي وشك التمرد، انخرط كثيرون في الحوارات معه لاثنائه عن التمرد ومنهموون كونغ وكان وليم يجري اتصالات مع جهات عديدة تحثه علي التمرد عبر جهاز ارسال طويل المدي و اشترك جون كونغ في محاولات اقناعه بحكم صلاته متعددة الجوانب معه،

تمسك وليم بموقفه و تمرد وكنا قادمين من رئاسة جون قرنق في طريقنا الي سوق “فقيري” التقينا بجون كونغ في الطريق وهو ذاهب مع حراسه الي غرب الاستوائية في عربة لاندكروزر مكشوفة بعد فشل مهمته مع وليم، توقف وتبادل السلام والتحايا معنا وحكي لنا ما جري، وان وليم قد كلف حراسه بأخذ جون كونغ بالقوة معه فخرج كأنه يريد ان يقضي غرضا وشق طريقه عبر السور المبني من القش والقصب، وترك رئاسة وليم الذي ذهب في طريق “مقوي” لقد كان ذلك وقتا عصيبا لجون كونغ تعامل معه علي طريقته كامرا عاديا ويوميا تماما.


جون كونغ تحصل علي اعلي الرتب في الجيش واصبح وزيرا للدفاع وحاكما لولاية جونقلي وعضوا بالمكتب السياسي لقد كان متواضعا لم يهتم ببهرج السلطة وزخارفها وزعانفها.


اهمية جون كونغ تكمن في موقفه الصلب برفضه لاستخدام القبلية في العمل السياسي وعدم رغبته في الانحياز للمكونات الأولية والابتدائية علي حساب القيم الكبري ووحدة الجنوبيين ولقد جسدت حياته معني وحدة الجنوبيبن ونبل فكرة جمع الناس وهو امر كم تحتاجه دولتي السودان.

جون كونغ حظي باحترام الجميع وجسدت حياته امكانية الوحدة في التنوع وتعزيز النسيج الاجتماعي وترك الانحيازات الضيقة وهو بذلك يستحق الاحتفاء من الكافة وسيما من زملائه القدامي ولكم احزنني رحيله وهذه المقالة تعلن عن محبتي له والنموذج الذي شكله طوال مسيرته ونحن ضيوف في هذا الكون والحياة و يبقي ما نتركه للآخرين من بعدنا وعلي القوميين في كافة ارجاء السودان جنوبا وشمالا ان يأخذوا الحكمة من جون كونغ اذا اختاروا الانتماء لاقاليمهم المتنوعة كتنوع السودانين كليهما.


في اديس ابابا وفي فندق راديسون بلو وقد كان جون كونغ وزيرا للدفاع دعانا في غرفته مالك عقار وعبدالعزيز الحلو وفاقان اموم وشخصي في تلك الامسية المفعمة بالمشاعر النبيلة طرح رؤية واضحة للعلاقات بين الجنوب والشمال وبين الحركة الشعبية في الجنوب والشمال وطرح سؤال مفتاحي ادهشني هل انفصال الجنوب هو نهاية علاقة ام بداية علاقة علي طريقة واسس جديدة ؟ في تلك الامسية اشار الي شول لام بان ينتظر في الخارج قائلا بلغة النوير ليبفرار يا شول – شول ليبفرار فضحكنا مطولا وسألته لماذا اطلق عليه اسم ليبفرار ولا تزال ضحكاته ترن في آذاننا، ولا تزال رحلته ملهمة و اخلاصه مؤثر و النموذج الذي جسده مهما للقوميين في دولتي السودان.


العزاء لاسرته ولشعب جنوب السودان ولرفاقه ولحكومة وقيادة دولة الجنوب والمجد لله في الاعالي وعلي الارض السلام وبالناس المسرة.
الخرطوم
٥/يناير/٢٠٢٣

أكتب تعليقـكـ هنــا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد