الأخبار

أخطأت يا سعادة الفريق الكباشي !!

66

السفير عبد الله الأزرق يكتب: أخطأت يا سعادة الفريق الكباشي

حين كنت دبلوماسياً بجنيف؛ وفي حالة نادرة، اتصلت الشرطة السويسرية بالسفارة وطلبت مساعدتها في التعرف على هوية طالب لجوء ادعى أنه سوداني. وافقت على طلبهم، وبعد مدة زمنية قصيرة حضرت الشرطة وبرفقتها شخص بدا لي من سحنته، أنه ربما يكون من أفريقيا الوسطى أو أحدى الدول جوارها .
سألته عن موطنه بالسودان؛ فقال إنه من جوبا. سألته فيما إذا كان زار الخرطوم فقال إنه يذهب للخرطوم بدراجته الهوائية من جوبا كل يومين!
أحضرت خريطة للسودان، وطلبت منه تحديد موقع جوبا في الخريطة، فوضع القلم الذي اعطيته إياه في منطقة قريبة من دنقلا !!!
بيّنت للشرطة السويسرية موقع جوبا الحقيقة. وذكرت لها أن المسافة بين جوبا والخرطوم حوالى 1200 كيلومتر؛ وهي المسافة التي ادعى انه يقطعها بدراجته كل يومين !!!
قال لي ضابط الشرطة: لا نحتاج للمزيد؛ هذا يكفي جداً؛ وشكرني مصطحباً منتحل الهوية السودانية .

تذكرت تلك الواقعة اليوم وأنا أستمع لحديث سعادة الفريق الكباشي . وما ذكرني هو أن دافّةً دفّت علينا من بلادٍ كثيرة، واستوطنت وتمتعت بكل الخدمات وحقوق المواطنة وعمرها في السودان حديث. بل ودخلوا من أبنائها في مرافقنا الحساسة مثل الجيش والأمن والشرطة والخارجية والبنك المركزي، وما إليها. وكل هذا كان غفلةً منا وسوء حكمٍ وتدبير .بل سذاجة .
ومن تجربتي في العمل في بريطانيا؛ أعرف أن الانجليز تسمح قوانينهم للمجنسين بالعمل في كل المرافق نظرياً. لكن دخول بعضها تحفّه عقبات يضعونها ولا يعلنون عنها. أما الترقي لمناصب عليا حساسة. فدونه خرط القتاد. وذلك أن لديهم نظام غير مُعلن يسمونه: ” السقف الزجاجي ” the Glass ceiling .

هذا السقف الزجاجي غير المعلن قصدوا منه حجب المجنسين عن تولي المناصب الحساسة. فالمجنس أو ابنه يدخلون الشرطة مثلاً؛ لكن من المستحيل أن يصلوا إلى منصب مدير الشرطة مهما بلغت مؤهلاتهم أو قدراتهم. ولن تجد غير انجلوسكسوني محافظاُ لبنك بريطانيا. ويتساهلون معهم في المستويات السياسية بعد إحاطتهم بمن يمسك أطواقهم (ريتشي سوناك) .

نحن من جانبنا “طالقين المَقَادة ” لكل من يفد إلينا حتى استباحونا. فمنهم من شارك الحركات المتمردة في قتالنا. وبلغ الأمر أن استجلبت الأمارات الألوف فجندتهم مليشيا أولاد دقلو.

وبعد سقوط حكم البشير تسنمت القيادة عناصر قوى الحرية والتغيير (قحت) ومنونا الأماني وزعموا أنهم رواد التغيير؛ فأمّل الشباب فيهم خيراً. لكنهم للأسف لم يحسنوا إنشاء طارف ولا الإبقاء على تليد؛ بل دمروا البلاد تدميرا؛ حتى أفضوا بنا إلى ما نحن فيه الآن .


وعبر تاريخنا الحديث كان قادتنا من العسكر هم من تركوا بصمات نٍَيّرَات؛ فأقاموا مشروعات التنمية والبنى التحتية وحفظوا أمننا. شهدنا ذلك مع عبود والنميري والبشير.

ولأنني مع الجيش قلباً وقالباً، لا أريد أن يتطاول عليّ مرجف إذا انتقدت الفريق الكباشي اليوم. ولا أريد أن يتطاول علي متطاولون، فيرمونني بمولاة حزب أو جهة ونحن في أتون معركة تستهدف أعراضنا وأرواحنا. فأنا مواطن من حقّه أن يُقَوّم القيادة متى رأى فيها زَيْغَاً. تحدث سعادة الفريق الكباشي اليوم في القضارف بفوقية ما عهدناها عليه. وأخطأ في تقديره للأمور بصورةٍ أراها مريعة .

وكانت القيادة العسكرية أنفقت المليارات في تجنيد وتدريب قوات مناوي وجبريل وغيرهم من الحركات الدارفورية؛ فزادت عديدهم وعدتهم .
تحدث الفريق الكباشي ضد رفع أي لافته سياسية وهو مصيب في العموم؛ لكنه نسي أنه يتحدث تحت لافته سياسية / عسكرية وهي قوات مناوي. ولو أنه أعلن دمجها في الجيش مباشرةً لما أرسلنا عليه سهام نقدنا .

وكنت كتبت عن مخاطر تدريب وزيادة عديد وعتاد تلك الحركات الدارفورية. ذلك لأنها قبلية الولاء قبلية القيادة والتوجه ولها في ذلك تاريخ. ولم تستجب لمنادي الجهاد هذه الأيام إلّا بعد ضغوط وتهديدات من قيادتها القبلية بعد أن استهدف الجنجويد مناطقها في الفاشر وما حولها. وقبلها أعلنت الحياد !!

وقد تماطلتم سعادة الفريق في الاستجابة لمناداة الجماهير والنخب لإعلان الاستنفار شهور عددا؛ والمرتزقة يتقدمون كل يوم. ثم ظللتم تتباطأون في فتح المعسكرات للمستنفرين. ولما أصبح الحشد الشعبي أمراً لا مفر منه تقاعستم في تسليحه ولازلت تتقاعسون. لكنكم تنشطون في تسليح الحركات القبيلية؛ في تكرار لما فعلتموه مع أولاد دقلو.

المعرضون للخطر اليوم موجودون بخاصة في وسط وشرق وشمال السودان. أولئك الموسومين بالجلابة من قبل عصابات أولاد دقلو. ولدى إحساسهم بالخطر انخرطوا في معسكرات الاستنفار. والقلة منهم التي شاركت في القتال أبلت بلاءً حسنا وحققت انتصارات لا ينكرها إلّا صاحب غرض .

هؤلاء المستنفرين في المناطق المعرضة للخطر لا يعرفون قبيلة ولا انتماء حزبي أو جهوي .

هؤلاء يعرفون السودان وحماية الأعراض والأرواح. فلماذا تستهدفهم وتطالب بسحب سلاحهم ؟ هؤلاء سند الجيش وظهيره ولم ينفردوا بقيادة أو قرار من دونه. فلم كل هذا الانفعال ؟
ولماذا تريد أن تُجهض حملاتهم الاعلامية؛ في وقت تعمل فيه المليشيا وقحت عبر منصات اعلامية تمولها دول. والاعلام سلاح مثل البندقية. ومن دونه ستذهب رصاصاتها ” فشنك “.

بالأمس فقط استهدفت المليشيا 17 قرية في الجزيرة، وانتم تأخرون هجوم الجيش هناك شهورا؛ وها أنتم توجهون بسحب أسلحة أقلية مسلحة تريد حماية اعراضها وأرواحها؛ والتَوَقّي من عصابة مجرمين – يدعمها عملاء قحت – لا تُحسنُ إلا القتل والنهب والاغتصاب والكراهية.

توجيهاتكم تلك تثير الشبهات، في ضوء ضغوط نعرفها تتولى كبرها أميركا والدول الغربية؛ مناديةً بتفريغ (Nullification) المقاومة الشعبية من محتواها. ونحن في أتون حرب لا تحتمل الشكوك والشبهات حول قيادة الجيش. توجيهاتكم تلك تثير الفزع في نفوس أهلنا المستهدفين، خاصةً أنكم تعانون من “الحول السياسي” فلم تعودوا تقوون على النظر إلّا في اتجاه واحد. وقد لازمكم هذا الحول السياسي أمداً طويلا. واعتقد أنك فهمت ما أرمي إليه .
جانبك الصواب وجانبته، سعادة الفريق .

أكتب تعليقـكـ هنــا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد