الأخبار

السودان .. الأسلحة .. من الأمن والحماية إلى الصراع والانفلات

56

متابعات أبعاد برس

بعد خمسة أشهر من اندلاع الحرب في السودان في 15 أبريل (نيسان) الماضي، بدت هذه الفترة كفيلة بأن يصبح السودان على حافة هاوية التسلح بسبب انتشار الأسلحة واحتمال تمددها إلى مناطق السودان المختلفة، وعلى مدى ثلاثة عقود من حكم عمر البشير، قبل انتفاضة ديسمبر (كانون الأول) 2018، تراكمت الأسلحة بسبب نشاط عدد كبير من الحركات المسلحة، وتعدت ساحات قتالها لتتسلل إلى أيدي المواطنين.

قبل اندلاع الحرب لم يخل المشهد من انتشار كثيف للقوات الحكومية و”الدعم السريع”، والحركات المسلحة الأخرى الآتية من إقليم دارفور ومنطقة جبال النوبة والنيل الأزرق بمدرعاتها التي فاضت بها العاصمة الخرطوم وبعض المدن الأخرى. وكان التبرير لمظهر العسكرة ذلك هو إكمال “بند الترتيبات الأمنية” المنصوص عليه في اتفاق السلام الذي وقع بجوبا في أكتوبر (تشرين الأول) 2020. وسط الضجيج السياسي العالي، لم يكن هناك من يصغي السمع إلى كثير من الإنذارات بأن هذه المظاهر ستقود إلى كارثة، أقلها “انتشار الأسلحة”، في مناطق عدة، حتى تلك التي لم تألف صراعاً مسلحاً من قبل.

ويعد الحد من انتشار الأسلحة أحد التحديات الرئيسة في الحرب السودانية منذ ذلك الوقت، ويتفاقم مع استمرار الحرب، إذ نمت أسواق يعرض فيها مسلحون مجموعة من الأسلحة المتنوعة وذخائر للبيع، بحسب ما أظهره مقطع فيديو متداول أخيراً، إضافة إلى مشاهدات المواطنين الذين عبروا عن قلقهم، خصوصاً مع الجدل القائم بضرورة اقتناء السلاح الناري لأغراض الحماية والدفاع عن النفس والممتلكات بسبب غياب تام للقوات الأمنية والشرطة، وهو ما يتعارض مع حقيقة أن تداول الأسلحة والإقبال على شرائها سيؤدي بدوره إلى مزيد من التفلتات الأمنية وانتشار العنف، إضافة إلى تشجيعه على نمو سوق السلاح.

طبيعة قبلية

قال الموجه السابق بأكاديمية نميري العسكرية العليا الصادق عبدالله “طبيعة نظام السودان القبلي فرض عليه الدخول في معارك كثيرة ونزاعات على المرعى والزراعة والأراضي، ففي حروب الممالك القديمة مثل مملكة سنار ودارفور والداجو والتنجر وغيرها كانت الحروب والنزاعات تدار وتحسم بالسلاح الأبيض، وبعد أن قامت الثورة المهدية كان السلاح أيضاً بدائياً مكوناً من السيوف والحراب”.

جيوش حزبية

خلال نظام البشير صنف السودان ضمن أكبر مصنعي الأسلحة والذخيرة في أفريقيا، التي انتعشت في تسعينيات القرن الماضي بمساعدة الصين وإيران، وتزامن ذلك مع بداية الإنتاج النفطي في السودان، وأسست “هيئة التصنيع الحربي” التي شملت مجمعات للصناعات العسكرية وباتت مسرحاً للقتال في الحرب الحالية.

ولهذا صنف مراقبون أن حزب “المؤتمر الوطني” الحاكم السابق هو أكبر حزب مسلح في السودان، ويأتي في المرتبة الثانية حزب “الأمة” بقيادة الصادق المهدي الذي أسس “جيش الأمة” كجناح عسكري للحزب، ناضل به ضد نظام الإنقاذ من دولة إريتريا.

وقبل الحرب في دارفور عام 2003، اتهم نظام البشير بأنه كان يمد زعيم “جيش الرب للمقاومة” في شمال أوغندا جوزيف كوني بدعم عسكري في حربه ضد نظام يوري موسفيني الذي كان يدعم بدوره “الحركة الشعبية لتحرير السودان” بقيادة جون قرنق، وتحول السودان إلى دولة مدججة بالسلاح من الصناعات المحلية بحسب “مشروع مسح الأسلحة الصغيرة”، وما تجلبه الحركات المسلحة من دول الجوار.

انتشار عشوائي

لم تمض جهود “جمع السلاح” كما كان مخططاً لها، وكان طبيعياً عند اندلاع الحرب، أن يكون الشيء المتاح أمام الجميع عسكريين ومدنيين هو السلاح. وتواترت الأحداث، إذ نهب سكان مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور، أكثر من تسعة آلاف قطعة سلاح من مخازن الشرطة، فاقمت من القتال الإثني وزيادة وتيرة العنف، واستخدم أيضاً في السرقة والنهب من المواطنين والمحال التجارية ومؤسسات الدولة والمنظمات الأجنبية، كما كشفت وكالة الصحافة الفرنسية (فرانس 24) أن شرق السودان يشهد حركة نشطة في الاتجار وتهريب الأسلحة، خصوصاً في المنطقة الحدودية مع إريتريا وإثيوبيا.

وكانت الحكومة منذ عام 2020 كلفت لجنة لجمع السلاح غير المرخص، بدأت إجراءات تنظيم السلاح المنتشر بين الحركات تمهيداً لدمجها في القوات المسلحة، ولكن تعثرت خططها نسبة لقلة الإمكانات، كما أنها كانت في حاجة إلى التنسيق مع منظمات إقليمية ومنظمات المجتمع المدني السودانية، ثم أعيد تشكيل تلك اللجنة برئاسة النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي حينذاك محمد حمدان دقلو “حميدتي” وتكوين لجان فنية بالولايات برئاسة الولاة وتوفير الدعم الفني والميزانيات للجنة لوقف انتشار السلاح.

وفي فبراير (شباط) الماضي، كشف عضو اللجنة العليا لجمع الأسلحة الفريق عبدالهادي عبدالله، لوكالة السودان للأنباء (سونا) عن وجود ثمانية ملايين قطعة سلاح بين الخفيفة والصغيرة، بأيدي المواطنين وأصبحت لكل مجموعة قبلية أسلحتها. وأضاف عبدالله في ورشة “الجهود الوطنية لجمع السلاح والعربات غير المقننة ومحاربة الظواهر السالبة” أن “الانتشار العشوائي للأسلحة يعد أبرز مهددات الأمن والسلام بالبلاد، حيث يساعد في الاتجار بالبشر وتجارة المخدرات والتهريب والحروب القبلية”، موضحاً أن “اللجنة العليا لجمع السلاح تمكنت من جمع نحو 300 ألف قطعة سلاح في الفترة ما بين عامي 2016 و2020 وتمت إبادتها”.

بعد توقيع اتفاق السلام (نيفاشا) 2005 مع قادة جنوب السودان، والدخول في اتفاقات سلام عدة مع الحركات الدارفورية، اعترف وزير العدل حينذاك محمد بشارة دوسة في عام 2010 بأن “انتشار السلاح بدارفور على نطاق واسع يعوق تنفيذ العدالة في الإقليم”.

في ذلك الوقت بينما كان قادة الحركات المسلحة يتفاوضون مع مسؤولين حكوميين في نظام البشير في عواصم عدة أفريقية وعربية، كانت فصائل معارضة لعملية التفاوض مع الحكومة تنشط في عمليات القتل والنهب المسلح، ويقابلها من الجانب الحكومي ثلاثة قطاعات، الأول “قوات الدفاع الشعبي”، وهي ميليشيات شكلتها “الجبهة الإسلامية” تابعة لنظام البشير، نشطت في القتال بجنوب السودان ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان.

والثاني “الشرطة الشعبية”، وهي قوات شبه عسكرية ذات طابع أمني. أما القطاع الثالث فهو “حرس الحدود”، وهي قوات أنشأتها حكومة رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي باسم “المراحيل” كقوات موازية وامتداداً لتسليح القبائل في كردفان ودارفور عامي 1987 و1988، بإشراف اللواء فضل الله برمة ناصر، رئيس حزب الأمة الحالي، وسميت في مرحلة أخرى خلال نظام البشير بـ”الجنجويد”، ثم “قوات الدعم السريع”.

وأوردت وكالة “سونا” في أغسطس (آب) الماضي، أن “قوة من الجيش في ولاية كسلا شرق البلاد، تبادلت إطلاق النار مع مهربين كانوا يستقلون شاحنتين محملتين بالأسلحة، واحدة جنوب ميناء سواكن على البحر الأحمر، وأخرى قرب كسلا، كانتا في طريقهما إلى الخرطوم لصالح قوات (الدعم السريع)”، والتي نفت هذه التهمة، ووجهت اتهامها إلى الجيش بعسكرة المواطنين.

المصدر| إندبندنت عربية

أكتب تعليقـكـ هنــا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد