الأخبار

تدمير القطاع المصرفي بقطع الاتصالات

119

أحمد بن عمر

[email protected]

تدمير القطاع المصرفي بقطع الاتصالات

▪️ ” فقط 11% من الكتلة النقدية موجودة في البنوك السودانية”, هذه هي افتتاحيتي لهذه السطور التي سأرثي فيها القطاع المصرفي في السودان, هذا القطاع الهش الذي لا تتخطي أصوله 12 مليار دولار باجمالي 37 مصرف اغلبها لا يبلغ الحد لاادني من رؤوس الأموال

▪️ ولنعلم حجم الأزمة يجب ذكر تقديرات الانكماش الاقتصادي الي سالب 18% بسبب الحرب في السودان حسب بيانات البنك وصندوق النقد الدولي حيث ارتفعت معدلات الفقر الي أكثر من 65% مع رقم جديد في البطالة حيث احتل السودان المركز الاول في أكبر معدلات البطالة في العالم بنسبة 42%.

▪️ ” قوم أرح نمشي البنك نسحب القروش ما معروف الشبكة حا ترجع متين “, هذا الاقتباس من محادثة هي الابرز اليوم بين مواطن ووالدته وهم أحد ضحايا النزوح بعد انقطاع الاتصال والإنترنت، هكذا يتجهز السودانيون في الولايات لمواجهة أزماتهم الاقتصادية القادمة

▪️ لم تكن للبنوك السودانية التحوطات المالية والفنية اللازمة لمواجهة كارثة الحرب فدخلت في إشكالات أخرها تأثر قطاع الاتصالات بسبب الحرب, الذي دخل الصراع تحت ذريعة الحرب الاستراتيجية بين الطرفيين الجيش والدعم السريع, وهي جريمة تضاف لرصيد الدعم السريع حيث ستتأثر بشكل مباشر المؤسسات وستحدث ربكة لحكومة بورتسودان التي تعتمد بشكل كبير علي نظام الإنترنت المربوط بالشبكة بما فيها القطاع المصرفي شريان الاقتصاد والحياة في البلاد.

▪️ تعاني المصارف من اختلالات هيكلية في السودان، واختلالات ادارية، فهي مستوفية لشروط تطبيق النظام الالكتروني المتعارف عليه دوليا، في تطبيق الاشتراطات المالية لبنك السودان، حيث ان سقوف هذه المصارف لا تصل للرقم الذي يضعه بنك السودان كنظام حماية، الذي حدد قبل الانقلاب بإغلاق بعض المصارف، او دمجها حتي تستوفي للشروط.

(1)

ووفقا لبيانات البنك المركزي لأخر بيانات منشورة, يتكون الجهاز المصرفي في البلاد من 38 مصرفا تفاصيلها: (16 بنك سوداني، 22 بنك مختلط)، ويبلغ عدد فروعها 833 فرعا و77 نافذة و73 مكتبا للتوكيل, أكثر المصارف انتشارا هو بنك الخرطوم الذي يمتلك 125 فرعا، ثم البنك الزراعي السوداني بامتلاكه 105 فرعاً، ثم بنك الادخار بنحو 54 فرعا، لإسلامي السوداني بقرابة 53 فرعا

ويمكن تخيل الازمة المصرفية بأن الخرطوم وحدها تحتوي علي 435 فرع تمثل 49% من قيمة الفروع في السودان

حسناً ربما الأن يمكن تخيل (أزمة السيولة) التي ستحدث بسبب الإقبال الكبير للطلب علي العملة المحلية (مواطنين اضعاف – فرع بنكي في ولاية صغيرة), هذه هي المعادلة .

نعم جميعنا يعلم أن السودان يعتبر هو صاحب المركز الأول في أكبر نسبة نزوح داخلي, هذا الفرار وخاصة من الخرطوم يتطلب الكثير من السيولة النقدية لمقابلة الانفاق الضخم كــ(الايجار المبالغ فيه – والسلع الغذائية المرتفعة الاسعار –والأدوية والعلاج الصحي المرتفع والمعدوم اضافة لتكاليف ضخمة للانتقال بين المدن)

يعاني السودانيون حاليا من نقص السيولة منذ الشهر الثالث في الحرب في أيديهم كما تعاني البنوك ايضاً من أزمة سيولة والافتقار إلى النقد المحلي (النقود الورقية) بشكلها الطبيعي، منذ اندلاع الاشتباكات التي أغلقت المصارف وحالت دون وصولهم إلى مدخراتهم.

وللمعلومية البنك المركزي هو االمسؤول من التحكم في السيولة وضخها بالتنسيق مع البنوك التجارية وفقاً للمنشورات المعلنة, حيث يقوم بسياسات تستهدف عرض النقود وتنظيم عملية العملة

بعد الحرب فقد البنك المركزي التحكم في مهامه، وبالتأكيد لايستطيع بنك مركزي العمل في الحروب حيث خرجت قدرته في الولايات المتأثرة رفقةً للبنوك التجارية, الان ما يحدث هو إدارة عشوائية للنقد في ظل اقتصاد غير ثابت بسبب الحرب.

ليس السودانيين غرباء عن أزمة الكاش التي ستصل ذروتها في هذه الاشهر القادمة فقد كانت 2018م هي أزمة الصفوف أمام البنوك في عهد المخلوع البشير

والأن باختلاف الظروف الاقتصادية فقد تجددت ظاهرة الصفوف في الولايات التي نزحاليها المواطنون, تكدُس الجميع امام البنوك منذ شروق الشمس بساعات حتي يتمكن المواطن من سحب مبلغ بسيط يُستهلك في المحال التجارية بحثاً عن الكلأ والعلاج .

(2)

وبأعتماد السودانيين علي التحاويل البنكية عن طريق التطبيق الشهير (بنكك) والذي يُعتمد عليه بشكل أكبر في التحاويل التجارية و اليومية وحتي تحويلات المغتربين بعد أن قيد البنك المركزي السودان حدود التحاويل عبرالتطبيقات الي (3 مليون) جنيه يومياً للحد من المضاربة

وبعد انقطاع الاتصالات وخاصةً شبكة سوداني المرتبطة بالبنوك السودانية ستفقد هذه الميزة, ولنفهم أكثر هذا الأمر سنتبع الأمثلة الاتية:

1/ مورد يقوم بجمع المبالغ من العملاء (بقالات، سوبر ماركت، محلات جملة صغيرة) أقل حجم للدين هو 7 ملايين تسدد علي مدار اسبوع, وبالطبع بسبب صعوبة سحبها ستكون طريقة التعامل عن طريق (بنكك) بتعطل الاتصالات هذا يعني توقف دورة الوارد والاستهلاك بسبب ان المورد لا يستطيع جمع ارباحه لتدويرها مجدداً لضخ السلع في السوق, ولا يستطيع استخدام المال بسبب عدم توفره ليقوم بعملية شراء السلع مرة أخري.

2/ مواطن لا يستطيع سحب أمواله بسبب توقف المصارف مما أدي الا صعوبة اجراء خدمات (مجمعات خدمات الجمهور) التي ايضاً بدورها توقفت بسبب انقطاع الانترنت ,ستتوقف خدمة الطلب علي الاجراءات الحكومية وايضاً المتعلقة بمدفوعات السفر والانتقال الداخلي .

ولربط المفهوم العام يجب فهم ان دورة المال متوقفة (لا رواتب – لا سحب نقدي بس الضغوطات علي الولايات – لا أموال للحكومة بسبب التوقف), والاقتصاد السوداني يعد من الاقتصادات الصغيرة فقياس الأثر حول المؤشرات قد يتضح للجميع في شكل صفوف وأرتفاع في الاسعار, ف(نفق أزمة السيولة) سيكون أول الصدمات للقطاع وربما النقطة الأولي نحو الانهيار الكامل (لا قدر الله)

اضافةً للأحداث يمكن أن أقول بأن أعمال النهب التي امتدت نحو البنوك, جعلت من المواطنين فاقدين للثقة في القطاع المصرفي مما سبب أزمة عكسية بسحب الأموال في الشهور الماضية من البنوك الي المنازل, وليس هناك كابوس للقطاع المصرفي في السودان اسوء من سيناريو أن تذهب الكتلة النقدية الا أيدي الجمهور

فالمواطن يكتنز الان والتاجر يكتنز والجميع يفُضل الاحتفاظ بأمواله في المنازل (المناطق تحت سيطرة الجيش), رغم الاوضاع الامنية غير المستقرة التي يمكن أن تعرض البعض.

أدى أغلاق رئاسات البنوك في العاصمة وفروعها الي المزيد من العواقب علي المواطنين, فعلي سبيل المثال (التقنية المصرفية) ستتوقف رغم التقدم الكبير والبطئ الذي حدث في السنوات السابقة لمجال التقنية المصرفية وبشرح مختصر:

▪️ توقف ” اي بي اس” ساهم في تفاقهم وضع السيولة في السودان بسبب توقف المقاصة التي حاول بنك السودان ارجاعها مرة اخرى ولكن الحرب المتجولة حالت دون الأمر

▪️ ضرب مركزية النظام المصرفي ستؤخر الاداء في ربط الوحدات المصرفية مع بعضها ورئاسات المصارف مع بعضها ومع بنك السودان المركزي.

▪️ فقدان ايضاً خدمة تشغيل الصرافات الآلية في الولايات ( يوجد بها كاش شحيح)

اخيراً…

▪️ ربما المواطن البسيط لا يهتم بالتفاصيل المعقدة حول انهيار القطاع المصرفي ولكن الصدمة التي حدثت للقطاع بسبب الحرب ستؤدي الي انهياره تماماً ومن الأمر الصعب ان ينشـأ نظام مصرفي جديد في السودان وفي حالة عدم توصل صيغة للإيقاف التصعيد الحالي لتأثر قطاع الاتصالات فسيكون عمل البنوك بلا فائدة مما ستضطر لاغلاق فروعها وفي حالة أخرى اذا تقلص عمل البنوك في ولايتين علي الاقل بسبب انتقال الحرب (لاقدر الله) لا أعتقد ان البنوك ستعمل في 5-6 ولايات فقط .

▪️ انتهاك قطاع الاتصالات يمثل تصريح صريح بالاعتراف بهذه الحرب العبثية لنزع الشرعية منها حيث لم تسلم المؤسسات الصحية ولا التعليمية ولا حتي بيوت المواطنين من الانتهاك المتواصل, يجب ان نحافظ علي ما تبقي من مؤسسات قبل أن تصلها لعنة الحرب .

أكتب تعليقـكـ هنــا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد