الأخبار

تقسيم أم هيمنة ؟ ما هو مشروع الجنجويد الفعلي؟

70

من الأسافير

تقسيم أم هيمنة ؟ ما هو مشروع الجنجويد الفعلي؟
د. أحمد عثمان عمر

(١)
مباشرة بعد سقوط نيالا في يد الجنجويد، بدأ الكثيرون من الحادبين على مصلحة الوطن يتخوفون من قيام الجنجويد بفصل دارفور وربما كردفان معها، وإعلان دولة منفصلة او على الاقل حكومة ضرار تكرس وضع الانقسام مثلما ما هو حادث في ليبيا اليوم. وهذه المخاوف تعززت بوضوح العجز التام للقوات المسلحة المختطفة من قبل الحركة الإسلامية عن التصدي للجنجويد، بالرغم من هرطقات بعض محلليها وحديثهم عن الفرق بين الانتشار والسيطرة والتمركز والإمساك بالارض.

فالواضح لكل ذي عينين أن مليشيا الجنجويد لم تكتف بالسيطرة على بيوت المواطنين والمؤسسات المدنية فقط، بل اقتلعت عنوة واقتدارا معسكرات الجيش الواحد تلو الاخر وسيطرت على مدن استراتيجية، وحاصرت اخرى ومنعتها من الامداد وجعلتها في حكم الساقطة عسكرياً. وبناءا على هذا الواقع وبعيدا عن التفكير الرغائبي وأحلام اليقظة لدى البعض حول عودة الجيش المختطف لتحقيق انتصارات، يصبح التساؤل عن مشروع الجنجويد وهل هو مشروع تقسيم ام مشروع هيمنة .
(٢)
في تقديري المتواضع أن المشروع حتى اللحظة هو مشروع هيمنة لا مشروع تقسيم والدلالات على ذلك كثيرة. أهمها جوهر المشروع المعلن للجنجويد والذي يحاول ان يغطي نفسه كذبا بالادعاء بالقتال من اجل جلب الديمقراطية في نفس الوقت الذي تنهب فيه المليشيا بيوت المواطنين وتحتلها وتمارس القتل والتشريد والاغتصاب والتطهير العرقي في دارفور.

فالمشروع المعلن هو القضاء على دولة ٥٦ ، وهي دولة جوهرها هيمنة الجيش، ومحصلته هي هيمنة بديلة للجنجويد لا بناء دولة ديمقراطية كما يزعمون زورا وبهتاناً. فالممارسة في هذه الحرب – وهي أفعال تتحدث بصوت أعلى من الأقوال- تؤكد ان مليشيا الجنجويد تعمل على فرض هيمنة بديلة لهيمنة الجيش المختطف، وهذا هو جذر الخلاف بين قيادة الجنجويد وواجهة الحركة الإسلامية المسيطرة على الجيش، والسبب المباشر للحرب وانقسام اللجنة الامنية للإنقاذ.

ودلالات الرغبة في فرض هذه الهيمنة هي إصرار المليشيا على السيطرة على المركز، ورفضها التام لمجرد التفاوض على الخروج من المؤسسات المدنية وبيوت المواطنين إلا في إطار حل سياسي شامل، وعدم قيامها بإعلان اي حكومة موازية في المركز برغم سيطرتها شبه الكاملة على العاصمة وكل مظاهر السيادة، وإصرارها المستمر على قيام حكومة مدنية في الفترة القادمة مع إصرارها على اعادة هيكلة الجيش بإخراج الإسلاميين منه وسكوتها عن الإسلاميين العاملين في صفوفها في مواقع متقدمة ومؤثرة

وحديث زعيمها عن حق المواطنين في المدن التي سقطت في أيديهم في ادارة مدنهم بعيدا عن الكيزان بدلا من إعلان سلطة تابعة له مباشرة مع الاكتفاء بالسيطرة غير المباشرة، وإعلان القائد الثاني للمليشيا بعد سقوط نيالا بأن قواته ستتحرك لاستلام كل البلاد، وكذلك انتشار المليشيا عسكريا في مساحة كبيرة جدا من البلاد وهو انتشار مكلف عسكريا وأمنيا ولوجستيا، وعدم تقوقعها في مركز بعينه كغرب البلاد بحيث يصبح اساسا لسلطة منفصلة قائمة على التقسيم.

فوق ذلك وقبله مصالح قيادة المليشيا الاقتصادية التي تتداخل مع نشاطات المركز، وتحتاج للمركز لضبط وتوسيع نشاطها الطفيلي المرتبط بالخارج. كل هذه الدلالات تؤكد ان لا مصلحة للمليشيا آنيا في تقسيم البلاد ، طالما أنها اقتربت من هدفها في السيطرة عليها كاملة وإن بواجهة مدنية لا حول لها ولا قوة، مثل حكومات شبه المدنية التي حكمت في الفترة الانتقالية المؤودة.
(٣)
يضاف إلى ما تقدم، أن ارتباطات مليشيا الجنجويد الاقليمية والدولية لا يمكن الوفاء بها بشكل كامل في حال تقسيم البلاد او سيطرتها على اقليم دارفور وحده او في معية كردفان. وذلك لأن دولة الامارات التي ترتبط قيادتها معها ارتباطاً اقتصادياً وثيقا، مصالحها الأساسية مرتبطة بشرق وشمال ووسط السودان.

فهي مهتمة بالموانئ على البحر الأحمر وخصوصا ميناء ابوعمامة المزمع تشييده، وبإستثمارات زراعية ليس فيها مشروع واحد في غرب البلاد، وبنشاطات اخرى لا يمكن تحقيقها من الغرب الذي يمكنها تحقيق مصالحها فيه عبر علاقتها الوثيقة مع دولة تشاد.

اما علاقة الجنجويد مع روسيا عبر فاغنر، فهي تضعها مباشرة في قلب المصالح الروسية التي لا تقتصر على تهريب الذهب فقط، بل تمتد للجانب الامني العسكري والقاعدة البحرية الروسية على البحر الأحمر، والدولة الروسية حتما تفضل بسط حليفتها على شرق السودان لتحقيق اطماعها غير المشروعة في بلادنا والانتقاص من سيادتها على أراضيها. وبالطبع لا ننسى علاقة المليشيا بدولة اسرائيل وارتباطها العلني بمخابراتها.

وبكل تأكيد مصالح إسرائيل الأساسية تبدأ من امن البحر الأحمر وايقاف تهريب السلاح لحماس انطلاقا من شرق السودان، بالإضافة إلى الامن المائي، وجميع هذه الأمور لا يمكن ان تتم بواسطة حليفتها في حال قادت عملية تقسيم وانفردت بحكم غرب البلاد فقط.

صحيح ان لاسرائيل علاقة مع الطرف الاخر ومن خلفه من الاسلاميين الذين بدأت تعاملا سريا معهم منذ أواخر ايام المخلوع البشير، إلا انها تعلم بأن شمسهم في افول وأن الرهان عليهم خاسر.

يبقى ايضا خطر بقاء الحركة الاسلامية المختطفة للجيش في قيادة دولة البحر والنهر بعد التقسيم، على دولة الجنجويد الناشئة في الغرب. وهو خطر مستدام على دولة ليس لها منفذ بحري، في ظل دعم سيتوسع حتما من دولة مصر التي لا ترى اي مشكلة في دعم سلطة عسكرية ضعيفة للاسلاميين تابعة لهم مثلما ثابرت عليه منذ نهايات عهد المخلوع .

فهي تتعامل مع الملف السوداني على اساس انه ملف امني، وتفضل دائما سلطة عسكرية ضعيفة جماهيريا ومعزولة لتستمر في التبعية وقبول احتلال أراضي البلاد ونهب مواردها.

كل ما تقدم يؤكد ان الجنجويد لا يرغبون في تقسيم البلاد حاليا، ولا في تكوين حكومة في الغرب. لكنهم يرغبون في اخراج دارفور وكردفان من سلطة المركز، وهذا يعني اخراج البترول والجزء الاكبر من الثروة الحيوانية والصمغ العربي من سلطة الحكومة المركزية وإضعافها بشكل غير مسبوق، وفرض الجنجويد عليها كشريك له اليد العليا. اسقاط نيالا تحديدا قصد منه مزيدا من تحسين الموقف التفاوضي في جدة، لذلك تزامن مع العودة للتفاوض.


مدن دارفور كلها في حكم الساقطة عسكريا بعد سقوط نيالا، وكذلك عدد من مدن غرب كردفان. لذلك لا يوجد حتى الان اتفاق على اقتسام السودان، فقط الجنجويد يرغبون في أخذ نصيب اكبر من كعكة السلطة.


في مواجهة ذلك ولهزيمته، لا بد من استكمال مهمة بناء الجبهة القاعدية العريضة، لأنها وحدها القادرة على هزيمة مخططات الهيمنة ومنع التقسيم مستقبلا في حال استمرار الحرب وفشل مشروع الهيمنة، لتعمل على تحقيق اهداف ثورة ديسمبر المجيدة. وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله !!
10/11/2023

أكتب تعليقـكـ هنــا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد