الأخبار

نقطة ضوء

57

نقطة ضوء – جعفر عباس


منذ أكثر من تسعين يوما ومفردات حياتنا اليومية هي دوشكا وهاون وجنجويد وقصف جوي ودانة وبل وجغم ونزوح ودموع وجروح، ولتفادي أجواء النكد السائدة أسميت خاطرة كتبتها سيدة عن تجربتها مع الحرب “نقطة ضوء”، فإلى النص: زمان كنت بمشي لنسابتي في الجزيرة في الأعياد ضيفة ومعاي أطفالي، لابسين وقاشرين ومشترية ليهم اغلي الملابس من ارقي الاسواق في الخرطوم، ومن خارج السودان. وبتحنن واشتري الثياب الجديدة وغالية وموضة؛ بنمشي ضيوف، وبكون طبيعي مقفولة في الغرفة وحريصة إنو اطفالي ما يلعبوا في الطين ولا مع الشفع، وكانوا بخافوا من الغنم ومن بعيد يتفرجوا علي الدجاج وهو منتشر في الحوش، وكنت بخاف علي ملابسهم من التراب والغبار، وعلي لونهم يتغير مع الشمس والحر. عشان كدة كنا ما في كان اندماج ولا ونسة كتيرة بينا وبينا ناس البيت.


كنت بحس السفر إجراء روتيني مفروض بقوم بيه عشان فقط ارضي زوجي، والسنة دي ولأول مرة طلعنا بعد الحرب فجأة من غير ملابس راقية ومن غير أدوية، أو علب لبن بودرة كبيرة، أو عطور وكريمات ترطيب وكريمات شعر ومن غير شوكولاتات، طلعنا لأننا كنا خايفين من الحرب، وخلينا بيتنا بكل ما فيه..


بعد الأسبوع الاول بقيت البس عيالي من ملابس عيال عماتهم، وخليتهم يطلعوا علي راحتهم ويلعبوا في المطر والموية..لعبوا مع العيال بمنتهي البساطة، استنشقوا هواء نضيف وعليل. شربوا لبن بقر صحي وطازح، وقفوا مع عمهم الصغير وحلبوا الاغنام وجروا ورا الدجاج ونظفوا بيت الحمام. دخلت سهي بتي المطبخ وساعدت حبوبتا في تقطيع البامية، تامر ولدي كان فرحان وهو بيشوف عمتو بتعوس في الكسرة..ربتال الصغيرة جابت البيض من القفص ومشت السوق مع عمتا.

انا لبست توب نسيبتي المشجر وكان نضيف مغسل ومكوي ومعطر، حسيت بالانتماء وانا بطلع بيهو العصر الحوش وبقعد قريب من نسيبتي وهي بتعمل الجبنه لولدا (زوجي) الكان قريب منها، كنت مبسوطة وانا قاعدة في النص بينهم وريحة الجبنه فايحة وعامة الحوش ونحن كلنا قاعدين مبسوطين ونشرب ونتونس ..عاينت لزوجي لقيتو مبسوط ومندمج..اخواتو كانوا معانا بيعلقوا ويحكوا عن ذكرياتو معاهم قبل زواجوا مني،عن المقالب الكان بيعملا فيهم ..

عن المشاوير الكانوا بيمشوها مع بعض حسيت انه كل الوجوه كانت بتفيض رضا وسعادة.. اول مرة اتبين ملامح نسيبتي، واتبين قدر شنو هي بسيطة وطيبة وحنينة ومسامحة. لاول مرة احس اني امام اسرة متماسكة، وافرادا بيحترموا بعض. واتذكرت قدر شنو انا كنت جافية وواضعة حدود وحواجز وهمية بيني وبين نسيبتي وبناتا..ولأي حد هم كانوا بيهتموا لحالي وانا كنت مترفعة وشايفة نفسي..* حسيت وقتها إني صغيرة جدا ومتقزمة،وانهم هم كبار بأخلاقهم وصفاتهم النبيلة بأنهم رغم غروري وتكبري ما لاموني ولا اشتكوني لإبنهم زوجي..


وقتها فقط حسيت إنه الدنيا دي ما دايمة لحد، وأنه اي واحد فينا ممكن يفقد اغلي ما لديه في رمشة عين، وأنه مافي شي بيدوم غير المعاملة السمحة والكلمة الطيبة، فرحت وانا بشوف عيالي بيلعبوا تحت المطر فرحانين،مع بنات واولاد قرايبهم، كانوا بيبادلوني نظرات كلها رضا وفرحت ليهم لامن دموعي نزلت..
وكتبت في مذكرتي وبخط واضح: اينما زرعك الله اثمر، وطلعت اواصل اجمل لمة مع اطيب ناس.

أكتب تعليقـكـ هنــا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد