الأخبار

عبدالله رزق أبوسيمازه يكتب: قنبلة الأرض !!

48

قنبلة الأرض !!

لم تكن مسألة الأرض كإشكالية مطروحة إلا ضمن قضايا النزاعات والحروب الأهلية في دارفور حصريا وارتبطت بما عرف بالمستوطنين الجدد الذين حلوا محل النازحين واللاجئين، في ديارهم، وفي وقت يتجدد فيه الصراع العنيف بين المساليت وبعض القبائل العربية في الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور، وفي محيطها كرينيك، خاصة وهو صراع يتجدد بين الفينة والأخرى.

تمكنت قبيلتا الجموعية والهواوير، من طي صفحة صراع مميت بينهما مطلع هذا الأسبوع بعد أن تطاول به الأمد وكلف العشرات من الأرواح من الجانبين.

هذا الصلح يبشر بتوفر قدرات لدى النظام الأهلي رغم من اعتراه من ضعف بسبب التسييس في القيام بأصالة وكرديف للدولة بواجبه التقليدي في فض النزاعات وحفظ الأمن.

وفي وقت يتصاعد فيه الاستنفار القبلي للاصطفاف بجانب هذه الأجندة السياسية أو تلك ويتزايد معها تدخل الدولة في إطار الاصطراع السياسي الجاري وانغماسها في الشأن القبلي إلى حد التدخل برسم الحدود الفاصلة بين القبائل على الأرض وفق ماحملته (السوشيال ميديا) من أخبار عن معالجات تعتزم السلطات مباشرتها لاحتواء نزاعات قبلية في شرق السودان.

أهمية صلح الجموعية والهواوير تكمن في أنه يتعلق بنزاع له امتداده داخل العاصمة القومية، وفي تخوم أمدرمان ويكشف عن ترييف النزاعات المدينية بردها لأصولها الأولى وفضح هشاشة التمدين وزيفه.


ربما يكون هو أول حالة من التنازع من نوعها منذ أن خطط الانجليز بعد استعمارهم للسودان الحدود بين البطاحين والشكرية شرقي العاصمة الخرطوم، وتسوية مابينهما من صراع متطاول على الأرض فالاستنفار القبلي في العاصمة القومية، والذي يجري توظيفه في الصراع على السلطة منذ انقلاب 25 أكتوبر قد بلغ مداه.

وقبل أن تظهر حركات الكفاح المسلح عام 2003، ظلت دارفور لفترات طويلة مسرحا رئيسيا للصراعات القبلية، ومختبرا لجدوي الحلول والتسويات الافتراضية لتلك الصراعات ولازالت.

ومنذ مؤتمر الفاشر في يوليو 1989،لم تتوقف الحروب القبلية في دارفور، وهي تستنفد منذ ذلك الوقت والي الآن كامل طاقة النظام الأهلي في الجوديات ومؤتمرات الصلح وتحصيل الديات إلا لتأخذ انفاسها بين جولة وأخرى.


لكن مشكلة الأرض ملكيتها والحق في الاستفادة منها والانتفاع بها وما يرتبط بذلك من سلطة سياسية، نحاس ونظارة، كمحور رئيس للصراعات القبلية في دارفور وفي غير دارفور،لم تحظ بأي معالجة جذرية.

ولم يوفق منبر جوبا الذي ضم بشكل رئيس الفصائل التي ظلت تتقاتل في دارفور والحكومة في إيجاد معادلة لحل مشكلة الارض بمنهجية قابلة للتطبيق في مناطق أخرى من السودان مثل الجزيرة، حيث تحتقن مشكلة الكنابي.

وقد تغذى الصراع الذي كان مصدره التنافس علي موارد الماء والرعي بعنصر جديد هو التنقيب عن الذهب.

هذا الوافد الجديد أعطى الصراع القبلي التقليدي طفرة جديدة بدلالة الحرب التي شهدتها دارفور للسيطرة علي جبل عامر من حيث نوعية التسلح وتكوين أطراف الصراع ودخول قوى أجنبية في اتونه حسب إفادات وزير الداخلية عامئذ الفريق عصمت عبدالرحمن.

وتبدو “قنبلة الأرض”، المشكلة التي تتفجر في أكثر من مكان بالسودان، أو تهدد بالإنفجار أكبر من قدرات النظام القبلي وإمكانياته من حيث هي مشكلة قومية بامتياز وليست مشكلة جهوية أو إقليمية تختص ببعض القبائل دون البعض الآخر دون التقليل من أهمية الرهان على هذا النظام حال تعافيه في التعاطي الإيجابي مع المشكلة وبعيدا عن تدخل الدولة على الأقل من حيث اتساع نطاقها، وتزامن تفجرها في أكثر من مكان:

صراع الحوازمة وكنانة في ابوجبيهة، والحمر والكبابيش من جهة والحمر والمسيرية، من جهة أخرى في غرب كردفان، والفلاتة والرزيقات في جنوب دارفور، وقبائل البني عامر والحباب في مواجهة البجا والنوبة في الشرق …الخ.

يمثل التسييس المفرط للقبلية وصراعاتها الخاصة وتطلعاتها ومطالبها الطرفية التي تتراوح بين الحكم الذاتي والحق في تقرير المصير في دولة مستقلة، والاستنفار الجاري للقبائل لأجل
تسليكها في سلك الصراع علي السلطة، ارتدادا عظيما من الرابطة الوطنية،”القومية النبيلة” إلى “عصبية القبيلة ”

وفي ذلك تكمن أهم مخاطر المرحلة ومهددات الانتقال التي يتعين على القوى السياسية الانتباه لها والاشتغال عليها من أجل ضمان انتقال أمن للحكم المدني الديموقراطي، باستكمال انجاز مهام الانتقال وتهيئة شروط قيام انتخابات حرة ونزيهة.

أكتب تعليقـكـ هنــا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد