الأخبار

مجاهد بشري يكتب: مرآة إرخميدس

81

■ يحكي المؤرخان (بلو تارخ) و (تزتزيوس)، عن حملة الجنرال الروماني (مارسيلوس) على مدينة (سيراكوزا) في العام 211 قبل الميلاد، وان عالم الرياضيات والفلك والفيزياء الإغريقي (آرخميدس)، إقترح تسليح المدينة بمرآة عملاقة، ومقعّرة، تعكس أشعة الشمس القوية، لتحرق أشرعة سفن الرومان، فتمنعها من الوصول إلى مدى يمكّنها من الهجوم على المدينة، لمعرفته بعدم مقدرة الجيش على حماية المدينة

تقول الآساطير، أن الخطة قد نجحت، وتراجع الجنرال (مارسيلوس) عن هجومه نهاراً، لكنه عاد بعد غروب الشمس بهجوم أقوى، سقطت بعده المدينة في يده بعد هروب الجيش، وكان (آرخميدس) هو اول من بحث عنه الرومان لقتله، بعد أن تحول في نظرهم من مجرد عالم فلك “مدني”، إلى رجل لديه سلاح، وهدفا مشروعا.

● بعد اندلاع حرب الإسلاميين في الـ 15 من ابريل، والتي تورّط فيها جيش البلاد، لم يكن أحد من اكثر الناس تشاؤماً يتوقع أن ينهار جيش عمره أكثر من 100 عام، ويمتلك 80% من اقتصاد البلاد في شكل استثمارات ظل، أمام قوة عسكرية خفيفة، لا يتجاوز عمرها الـ 7 سنوات إذا أخذنا بتاريخ تشكيلها وتقنينها ..

لكن خلال 10 أشهر من المعارك، سرعان ما أدرك الشعب هذه الحقيقة، بعد ان اصبح الجيش ينسحب هارباً أمام خصمه، ويترك المدنيين في مواجهة هذه القوة، في سابقة تاريخة تعد الأولى من نوعها في تاريخ جيوش المنطقة.

● لم يكن أمام قائد الجيش العالق في أحد أقبية قيادته وسط الخرطوم مفراً من إعلان التعبئة والإستنفار عشية عيد الأضحى الماضي، فقد أدرك مبكراً بأنه جيشه المنهار، لايمكنه حسم هذه المعركة، فنادى كل من يستطيع حمل السلاح، للإلتحاق بالمناطق العسكرية، وهي ما اعتبره الكثيرين، بداية لإعلان هزيمة، وعدم مقدرة الجيش على القتال.

● كان من الغريب جدا أن يسمح الجيش لشباب لم ينالوا تدريبا كافيا، للقتال معه ضد خصم، مجهز، وذو تدريب عسكري عالي المستوى، فتحول المستنفرون إلى أهداف مشروعة، تلقت البطش والاستهداف الأكبر من قبل خصم الجيش، واستمر تساقط حاميات وفرق الجيش الكبرى، دون ان يحقق الاستنفار أي فائدة.

● و أمام هذا الواقع المخيف، والفشل الذريع,وعدم وجود اي خطط لدى قادة الجيش الذين فضلوا الفرار لأبعد نقطة عن مناطق المعارك، وهو ما كان ليكفي لإفهام الشعب، خطورة هذه الحرب وخشية حتى العسكريين منها، والذين تحولوا لمجرد خطباء لاستجداء الشباب حمل السلاح، والموت بدلا عنهم، اتسمت خطابات البرهان بتوهان غريب، وكأنه لا يعي حقيقة وهول مايجري، وبصورة غريبة، توجه إلى مدينة مدني المكتظة بالنازحين من جحيم الحرب في الخرطوم، والتي فرّ منها البرهان نفسه، فأعلنها نقطة انطلاق، ومرآة مقعرة لمهاجمة خصمه الموجود في العاصمة التي تبعد 180 كيلومترا، وهو أمر محير، وزاده غرابة انسحاب فرقة جيش كاملة من المدينة تاركة المواطنين مكشوفي الظهر، دون تقديم عذر، او تبرير لهذا الفعل الشائن، خاصة ان قائد الجيش هو من جلب لأهل مدني القتل، والتهجير، وهو يعلم بعجزه عن حمايتهم.

● الآن يبحث البرهان عن تسليح المواطني في ولايات معينة، وهي ولايات لا علاقة لها بالحرب، يريد ان يحشدهم كمقاومة مسلحة، وهو من بطش بلجان المقاومة السلمية، وقتلها بذات السلاح، إن دفاع الإنسان عن حياته من أي اعتداء هو أمر مشروع، ولكن يجب ان يكون التسلح في حالة عدم وجود اي جيش يحمي الناس، وليس جيشا يختبئ في ثكناته، ويرفض القتال، ويريد تحويل المواطنين إلى أهدافا عسكرية، ويفقدها ميزة التعاطف معها..

إن ما يقوم به الجيش ومن يسيطرون على قراره، يعتبر مقامرة بحياة السودانيين، وتحويل كل مواطن لأرخميدس بصورة اجبارية، مع عدم وجود جهة يمكنها ضمان عدم وصول السلاح إلى أيادي جماعات متطرفة، ويصبح القتل بصورة عشوائية، وتتحول الحرب لشيء لايمكن السيطرة عليه، وفي الحسبان ان السلاح الذي يستخدمه الدعم السريع، هو سلاح اقتلعه بالقوة من الجيش نفسه، فما بالك بالمواطن العادي؟

هذا المقال سيكون شاهدا على خطورة سيطرة لوردات الحرب في النظام البائد على قرار الجيش، في وجود قادة عسكريين لا يصلحون لإدارة حضانة اطفال، ويخشون خصمهم اكثر من الموت، وهي وصفة للدمار والهلاك…

وملاقاة نفس مصير صانع المرآة .. ارخميدس.. الذي خذله جيشه رغم دعمه له. وأطلال مدينة سيراكوزا خير شاهد على ذلك.

أكتب تعليقـكـ هنــا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد