الأخبار

مدينه بابنوسه “القِميره”

160

مدينه بابنوسه “القِميره”

قِفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ 
بِسقط اللِوي بين الدخولِ فحوملِ

أبيات قالها إمرؤ القيس في العصر الجاهلي عندما وقف علي الاطلال
خلال هذه الأيام مدينه بابنوسه كما يسمونها أهلها (القِميره) تستغيث وتستجدي أهلها الذين رضعوا من ثديها ان يرحموها ويعطفوا عليها


بابنوسه القميره هي قمر دورين وضاحةً المشارق صيفاً وخريفاً كانت مْلتقي للأحبه العرب الرُحل، في رحلتهم البدوية من الشمال الي الجنوب صيفاً، ومن الجنوب الي الشمال خريفاً، يتسامرون في وديانها، ورمالها البيضاء النقيه ممزوجه بحمرة ذهبية تشبه سُمرة إنسانها الكريم المقاتل الشهم المترف بالعادات والتقاليد الجميلة والتراث الذي يحكي عن أصاله أُمه وأمجاد شعب


ولدت بابنوسه القميرة باسنانها فتيه وسط مدن وقري ولاية كردفان الكبري، تتمتع بحياة المدينه والمدنية دخلها قطار السكه حديد في الخمسينات، فكانت أكبر محطه للسكه حديد وبها ورشة ضخمة تُضاهي المحطات المميزه كعطبره، وبحري، وكوستي، والرهد، وغيرها، وما يميزها عن باقي المحطات والمدن الاخري كانت بابنوسه تقاطع ملتقي السكه حديد منها الي نيالا، ومنها الي مدينه واو، السودان القديم فكانت القميره قمرا تضئ غرباً الي دارفور وجنوباً الي الجنوب،

فكانت بابنوسه مدينة بمعني الكلمة عروس في كردفان، وإزدانت زينتها عندما أُنشأ فيها مصنع ألبان بابنوسه فإكتمل العُرس بهاءً وجمالاً ما بين منشآت السكه حديد، ومنشأت المصنع المعماريه، والتي تكسوها الأشجار الوارفه الظليله من أشجار النيم، والمثمرة مثل المانجو والجوافه والليمون وحتي أشجار النخيل التي أخذت من بابنوسه القميره موطناً تلاقحت مع أشجار الأبنوس


إنها بابنوسة (القِميره) عندما كنا في المجلد عند الثمانينات كنا نحلم بالسفر الي بابنوسه، ونشتاق إليها بإعتبارها المدينه الراقيه العامرة بأهلها، ثقافةً، وفن، وأدب، ورياضه جمعت بين كل اثنيات شعب السودان موظفين، وفنين، ومهندسين، وعمال، وتُجار جمعت بينهم السكه حديد العملاقه في وقتها ومصنع ألبان بابنوسه الحديث كنقله صناعيه

نأتي إليها في المناسبات إن كانت أفراح أو أتراح عندها نغتنم الفرصه بالذهاب الي السينما فكانت سينما بابنوسه مسرح ثقافي وفني وادبي، تقام فيه الحفلات الموسمية ويزورها كبار المبدعين من اهل الغناء والفن الإستاذ زيدان إبراهيم وأم بلينه السنوسي، وعبد القادر سالم، وغيرهم من الفنانين في طريقهم الي إقامة الحفلات في مدن دارفور ايام الزمن الجميل

كما تمتاز بابنوسة (القِميره) بالتخطيط المساحي للمدينه وشوارعها الواسعه البارحه تسر وتعجب الناظرين من حيث النظافه لن تشاهد فيها البرك والاوساخ نسبة لأرضها الرملية المنبسطه السهله، وإهتمام إنسانها المتحضر، هذا بالاضافه الي سوق بابنوسه العامر بتجارهُ الوافدين من كل أنحاء الوطن الحبيب
تتجول فيه وكأنك في سوق نموذجي، رغم صغره وكنا في لهفةٍ ونحن صغار للوصول الي السوق الذي يحتوي علي محلات الحلواني به الباسطه والعصائر الطازجه والآيسكريم وكنا نهرول نحن الأطفال نحو الآيسكريم و(الداردُمه)

في وقتها كانت مدينه المجلد مازالت قريه تفتقر لأبسط مقومات المدينه لم تدخلها الكهرباء بعد، وبها أزمه مياه شرب حتي الان، ولم يتم تخطيطها كمدينه إلا في نهايه الثمانينات وبداية التسعينات بابنوسه (القِميرة) المدينه المميزة ستصبح أطلال بعد هذه الحرب اللعينه، آلا ليت أهلك يرحمونك أيتها الحسناء شبيه القمر، والخِزي والعار لأولئك الغُزاة الذين يُهاجمونك الآن ولم يراعوا لتاريخك الناصع المسامح وجمالك القَمري، افسدوا علي أحبابك حياتهم وجعلوا من مساكنهم ومواطنهم أطلال

▪️النذير عبدالله صلاح الدين

أكتب تعليقـكـ هنــا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد